وقد أشار تعالى هنا إلى أن إنكار اتقاء غير الله ،لأجل أن الله هو الذي يرجى منه النفع ،ويخشى منه الضر ،ولذلك أتبع قوله:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} [ 52] بقوله:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأرُونَ} [ 53] .ومعنى تجأرون: ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة عند نزول الشدائد ؛ومنه قول الأعشى أو النابغة يصف بقرة:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة ***وكان النكير أن تضيف وتجأرا
وقول الأعشى:
يراوح من صلوات المليك*** طوراً سجوداً وطوراً جؤارا
ومنه قوله تعالى:{حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأرُون َلاَ تَجْأرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} [ المؤمنون: 64-65] وقد أشار إلى هذا المعنى في مواضع أخر ؛كقوله:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدُيرٌ} [ الأنعام:17] ،وقوله:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} [ يونس:107] الآية ،وقوله:{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [ فاطر:2] الآية ،وقوله:{قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا} [ التوبة:51] الآية ،وقوله:{قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} [ الزمر: 38] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللَّهمَّ لا مانع لما أعطيت ،ولا معطي لما منعت ،ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ » .وفي حديث ابن عباس المشهور: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك ،لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ،وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ،لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك ،رفعت الأقلام وجفت الصحف » .