قوله تعالى : { وآتُوا{[687]} النِّساءَ صَدُقاتهِنَّ نِحْلَةً } الآية [ 4 ] : والنحلة هاهنا الفريضة ، وهو مثل ما ذكره الله تعالى عقيب ذكر المواريث { فريضَةً مِنَ اللهِ{[688]} } .
والخطاب يدل على الأزواج ، ونهيهم عن منع الصداق عنهم ، وعلى الولي الذي يأخذ المهر ولا يعطيها{[689]} ، مع أن ما تقدم من قوله : { فانكِحوا } يدل على أنه خطاب للأزواج ، وإذا كان خطاباً للأزواج فيجوز أن يقال سمي نحلة ، والنحلة في الأصل العطية ، وإنما سماه عطية ، لأن الزوج لا يملك من بدله شيئاً ، فكان ذلك ترغيباً في إبقاء صداقها وسياقة مهرها إليها على قدر مئونة ، ظاناً أن ذلك منه نحلة ، ولا تعطوهن المهور كارهين ، ظانين أن ذلك غرامة ، ولكن لتكون أنفسهم طيبة به .
قوله تعالى : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلوهُ{[690]} هَنيئاً مَرِيئاً } [ 4 ] : وذلك يدل على أن للمرأة هبة الصداق من زوجها ، بكراً كانت أو ثيباً ، خلافاً لمالك ، فإنه منع من هبة البكر الصداق من زوجها ، وجعل ذلك الولي ، مع أن الملك لها ، وذلك في غاية البعد .
قوله تعالى : { فَكُلُوهُ هَنيِئاً مَرِيئاَ{[691]} } : ليس المقصود صورة الأكل ، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان ، وهو المعنى بقوله تعالى في الآية التي بعدها : { إنَّ الّذينَ يأكُلُونَ أمْوالَ اليَتامَى ظُلْماً{[692]} } ، وليس المراد نفس الأكل ، إلا أن الأكل لما كان أو في أنواع التمتع بالمال ، عُبر عن التصرفات بالأكل ، فهذا ما سبق إلى الفهم ، وعلم أن الأكل بصورته ليس معنياً ، ومثله قوله تعالى : { إذا نُودِيَ للصَلاةِ مِنْ يَومِ الجُمعةِ فاسْعَوا إلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ{[693]} } : يعلم أن صورة البيع ليست مقصودة ، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى ، مثل النكاح وغيره ، ولكن ذلك البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى ، فيكون معنى سابقاً إلى الفهم ، ونظائره كثيرة في الكتاب والسنة{[694]} .
وقوله تعالى : { وآتُوا النساءَ صَدَقاتهِنَّ نحْلَةً } مع قوله : { فإنْ طِبنَ لَكُم عَن شيءٍ مِنْهُ } : يدل على أنه أراد : فإن طبن قبل أن تؤتوهن صدقاتهن نحلة ، وذلك الإبراء ، فدل ذلك على أن من وهب لإنسان ديناً له عليه أن البراءة قد وقعت بنفس الهبة{[695]} .
وقوله تعالى : { فإنْ طِبْنَ لَكُمْ } : يدل على عموم الحكم في البكر والثيب .