{ إلاّ الّذِينَ عَاهَدْتُم مِنَ المُشركينَ } - إلى قوله - { فَأَتِموا إلَيهِمْ عَهدَهُم إلىَ مُدتِهِم } ، الآية [ 4 ] :
وذكر التبري وقطع العصمة وبعث علياً بذلك ، لينادي فيهم مع قوله تعالى : { إلاّ الّذِينَ عَاهَدْتُم مِنَ المُشرِكِينَ ثُم لَمْ يَنقُضُوكُم شَيئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيكُم أَحَداً فأتِموا إليهم عَهدَهم إلى مُدتِهِم } .
واعلم أن الذين تقدم ذكرهم ، وقعت منهم مظاهرة أو مخابرة وخداع ، يقتضي نقض العهد والإخلال به ، ولذلك قال : { كَيْفَ يَكُونُ لِلمُشرِكِينَ عَهدٌ عِندَ اللهِ وعِندَ رَسُولِهِ إلا الّذِينَ عَاهَدْتُم عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ فَمَا استَقَامُوا لَكُم فاستَقِيمُوا لَهُم } ، الآية :[ 7 ] ، فلو كان ممن تقدم ذكرهم الاستقامة في العهد ، لم يجز منه تعالى أن يتبرأ منهم وينقض عهدهم ، فكل ذلك يدل على أنه قد كان تقدم منهم نقض العهد ، إما ظاهراً وإما سراً .
وقال ابن عباس في سورة التوبة : إنها هي الفاضحة ، فهذا القول منه يدل على أنهم نكثوا وأسروا به ، فأظهر الله تعالى لنبيه ما أسروه بالبراءة منهم ، ونبذ العهد إليهم .
وذكر في النقض وجه آخر ، من حيث استبعد هؤلاء النقض من جميع المشركين سراً ، فقال : سبب نقض العهد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يحج لقابل ، وأن الله تعالى أعلمه ذلك ، وأنه لا يتفرغ إلى الحج إلا بعد العام القابل ، لقرب أجله ، وكان المشركون يطوفون بالبيت عراة في الطواف ، والتعري بحضرته شرك وكفر ، فاقتضى ذلك نقض العهد .
وهذا باطل ، فإنه لا يجوز من رسول الله صلى الله عليه وسلم النقض لهذه العلة ، فإن من الممكن أن يخلى له البيت ساعة ، ولا يمكن المشركين من الطواف في تلك الحالة ، كما طاف في عمرة القضاء وأخلى له المشركون البيت .
والذي يتعلق بالأحكام من الآية أنه : لا يجوز نبذ عهد الكفار إلى الكفار إلا بنقض ظاهر منهم ، أو توقع نقض ، أو إبهام في مدة العهد ، مثل أن يقول : نقركم ما أقركم الله ، ثم الأمان فسد أو صح ، لا يجوز نقضه بالاغتيال ، بل بإظهار نبذ العهد إليهم .
فهذا ما يتعلق بالفقه من الآية ، وما ذكر في الآية : { إلا الّذِينَ عَاهَدْتُم مِنَ المُشرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُم شَيئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيكُم أَحَداً } ، الآية :[ 4 ] ،
والمتعلق بالأحكام منه وراء ما ذكرناه ، أن من كان بين المسلمين وبينهم عهد ، فإذا ظاهروا علينا قوماً من الأعداء فهو نقض العهد ، سواء ظاهروا سراً أو جهراً .