وقوله تعالى : { اسكن أنت وزوجك الجنة } |البقرة : 35| أمر إباحة وكذا قوله تعالى : { وكلا منها } .
35 – قوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة } |البقرة : 35| .
نهي وليس فيه دليل على أن مجرده يحمل على التحريم أو الكراهة ، لأنه قد اقترنت به قرينة تدل على أن المراد به التحريم لقوله تعالى : { فتكونا من الظالمين } |البقرة : 35| وقد ذكر القاضي أبو محمد في " تفسيره " {[102]} أن في الآية ما يدل على أنه على التحريم ، وهو وهم ، ولا خلاف أن إبليس متولي غواية{[103]} آدم . واختلف في الكيفية ، فقيل : دخل الجنة بعد إخراجه منها وأغواهما مشافهة . وقيل : لم يدخل الجنة إلا آدم بعد أن أخرج منها ، وإنما أغوى آدم سلطانه ووسواسه الذي أعطاه الله إياه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " {[104]} وفي هذه الآية ما يبطل قول من أنكر الجن و الشياطين . وفيه أيضا الرد على من أنكر أن الجنة مخلوقة الآن ، وزعم أنها ستخلق بعد . وقد ذكر بعضهم الخلاف في الجنة التي أسكنها آدم وزوجته هل هي جنة الخلود ، أو جنة أعدت لهما ؟ قال : وذهب من لم يجعلها جنة الخلد إلى أن من دخل جنة الخلد لا يخرج منها ، وهذا لا يمتنع إلا أن السمع ورد أن من دخلها مثابا لا يخرج منها ، وأما من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل خروجه منها . ورأيت ابن حزم قد ذكر وزعم أن منذر بن سعيد ذهب إليه{[105]} .
وقد استدل قوم بقصة آدم في أكله من الشجرة بعد النهي على جواز وقوع المعاصي من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام واحتجوا بقوله تعالى : { وعصى آدم ربه فغوى } |طه : 121| وهي مسألة قد اختلف فيها اختلافا كثيرا لأشياء وردت عن قوم من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام توهم ذلك ، وقد اعتذر قوم عنها ، فمما اعتذر به في قصة آدم عليه السلام أن قيل : إنما أكلا من غير الشجرة التي أشير إليها ، فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها . وقال آخرون : تأولا النهي على الندب{[106]} . وقال ابن المسيب : إنما أكل آدم من بعد أن سقته حواء الخمر ، فكان في غير عقله{[107]} . وأما الذين جوزوا المعاصي ، فقالوا : إنما أكلها عامدا بخلاف النهي ، وما وجد إلى التأويل سبيل فهو الوجه . ووجه التأويل في قوله تعالى : { وعصى آدم ربه فغوى } |طه : 121| أي فعل فعلا صورته صورة المعصية لأنه في مقابلة النهي ، فهو من حيث أنه خلاف الأمر معصية وغواية فإن كان عن عمد وذكر فهو الحقيقة ، وإن كان عن تأويل أو عن نسيان أو ذهول ففي إطلاقه تجوز وذهول ، وهو الذي يمكن أن يقع من الأنبياء عليهم السلام ويؤاخذون به إذا وقع منهم .
35- وقوله تعالى : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } |البقرة : 35| .
نهي عن القرب ، وجعله كناية عن الأكل{[108]} لأن المعنى في الآية ولا تقرباها بأكل . وقال بعضهم : إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهي عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه وهو القرب . وهذا أصل جيد في سد الذرائع{[109]} .