34 – قوله تعالى : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } الآية |البقرة : 34| .
في هذه ما يدل على أن مجرد الأمر لا يحمل على الإباحة لأنه تعالى وصف إبليس بأنه أبى من السجود الذي أمر به ، ولم ير له عذرا باحتمال الإباحة ، ولو لم يكن نفس الأمر يقتضي الامتثال لكان له عذر . وفيه أيضا دليل على أنه لا يحمل على الندب بل يحمل على الوجوب لأن الله تعالى قد كفره بمخالفة الأمر ، وإذا بطل قول الإباحة وقول الندب ، بطل قول الوقف . وإبليس لم يختلف أنه كان مؤمنا حتى عصى الأمر واستكبر ، إلا أنه اختلف هل كان من الملائكة أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه كان من الملائكة و أن الاستثناء متصل ، قالوا كان خازنا وملكا على سماء الدنيا واسمه عزازيل{[93]} قاله ابن عباس{[94]} .
وقال ابن زيد{[95]} ، والحسن{[96]} : هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ، ولم يك قط ملكا ، وروي أيضا نحوه عن ابن عباس{[97]} ، قال{[98]} : واسمه الحارث .
وقال شهر بن حوشب{[99]} : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة ، وخوطب معها . فالاستثناء على هذا منقطع . قال بعض من ذهب إلى هذا القول : كيف يكون من الملائكة وقد عصى أمر ربه والله تعالى يقول في صفة الملائكة : { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } |التحريم : 6| ورجح الطبري{[100]} القول الأول وقال : ليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة فيه والنسل حين غضب عليه ما يرد أنه كان من الملائكة . وقوله عز وجل : { كان من الجن ففسق عن أمر ربه } |الكهف : 50| . يتخرج على أنه عمل عملهم ، فكان منهم في هذا ، أو على أن الملائكة تسمى جنا لاستتارها ، قال تعالى : { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا } |الصافات : 158| فإن قلتم : إنه قد كان مؤمنا فما معنى قوله تعالى : { وكان من الكافرين } |البقرة : 34| ؟ فالجواب أنه اختلف فيه فقيل : معناه من العاصين ، وفي هذا نظر ، وقيل : معناه وصار من الكافرين . قال ابن فورك : هذا خطأ ترده الأصول{[101]} . وقيل : معناه أنه كان في علم الله أنه سيكفر ، وقيل : قد كان تقدم من الجن كفر فشبهه الله تعالى بهم ، وجعله منهم لما فعله من الكفر فعلهم . واختلف هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة ، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره ، وقد أنكر كفر العناد قوم من أهل السنة وأجازه قوم وصححوه .