48 قوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } {[4265]} الآية{[4266]} :
هذه الآية أصل في الوعد والوعيد ، وهي الحاكمة ببيان ما تعارض من الآيات في ذلك . وتهذيب القول فيها أن الناس أربعة أصناف : كافر مات على كفره . فهذا مخلد في النار بإجماع ، ومؤمن لم يذنب مات على إيمانه ، فهذا في الجنة بإجماع ، وهذا كله في هذين الصنفين بحسب ما أخبر الله تعالى عنهم ، وتائب من ذنبه مات على توبته{[4267]} فهذا{[4268]} عند أهل السنة وجمهور الفقهاء الأمة لاحق بالمؤمن المتقدم ذكره ، إلا أن مقتضى مذهب المتكلمين أنه في المشيئة . ومذنب مات قبل توبته{[4269]} فهذا اختلف{[4270]} فيه الفرق . فقالت المرجئة : هو في الجنة بإيمانه ، ولا تضره سيئاته ، وبنوا ذلك على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار{[4271]} ، وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيّهم وعاصيهم . وقالت المعتزلة : إن كان{[4272]} صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد . وقالت الخوارج : إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو مخلد في النار ولا إيمان له ؛ لأنهم يرون كل الذنوب كبائر ، وبنوا ذلك على أن جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن الذي لم يذنب أو المؤمن التائب . وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة كفرة كانوا أو مسلمين{[4273]} ، وقال أهل السنة : آيات الوعد ظاهرة العموم ، وآيات الوعيد ظاهرة العموم ، ولا يمكن الجمع بينهما مع حملهما على عمومهما ؛ كقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى 15 الذي كذب وتولى } [ الليل : 15 ، 16 ] ، وقوله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم } [ الجن : 23 ] ، فلا بد أن نقول : إن آيات الوعد لفظها العموم والمراد بها{[4274]} الخصوص في المؤمن وفي التائب ، وفيمن{[4275]} سبق علم الله تعالى بالعفو عنه من المذنبين{[4276]} وآيات{[4277]} الوعيد لفظها العموم والمراد بها{[4278]} الخصوص في الكفرة{[4279]} وفيمن{[4280]} سبق علم الله تعالى{[4281]} بتعذيبه من المؤمنين{[4282]} . وهذه الآية : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] ، ردت{[4283]} على الطائفتين : المرجئة والمعتزلة ، وذلك أن قوله تعالى{[4284]} : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } فضل مجمع عليه . وقوله : { ويغفر ما دون ذلك } فيه رد لقول المعتزلة بتخليد المذنب ولو تم الكلام هاهنا عند قوله : { ما دون ذلك } {[4285]} لكان فيه حجة للمرجئة ، فجاء قوله تعالى{[4286]} : { لمن يشاء } ردا عليهم ، مبنيا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم ، بخلاف ما زعموا من أنه غفور لكل مؤمن . وقد تأولت المعتزلة الآية على مذهبها ، فقالت : قوله : { لمن يشاء } هو التائب ، وهذا تحكم على الآية يرده النظر . وتأولت المرجئة الآية أيضا على مذهبها فقالت : قوله{[4287]} : { لمن يشاء } أن يؤمن{[4288]} وهذا أيضا{[4289]} تأويل بعيد وكان سبب نزول هذه الآية أنه{[4290]} لما نزلت : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } [ الزمر : 53 ] ، قال أصحاب النبي{[4291]} صلى الله عليه وسلم : " والشرك يا رسول " فنزلت الآية : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } {[4292]} . وذهب بعض أهل التأويل{[4293]} إلى أن هذه الآية ناسخة للتي في آخر الفرقان . قال زيد بن ثابت : نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر . والنسخ في الأخبار مستحيل . والصحيح أن التي في الفرقان مخصوصة بالكفار الذين أرادوا الدخول في الإسلام ، فخافوا أن لا ينفعهم الإسلام مع ما سلف لهم في الجاهلية روي ذلك عن ابن عباس وغيره .