ولهذا وقع في حبال الشيطان ،وانخدع بوسوسته في المآل ،ونزل بحبل خداعه المهترىء في بئر الوساوس الشيطانية للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى ،ولكنّه ليس فقط لم يظفر بماء الحياة كما ظنّ ،بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للأوامر الإِلهية ،كما يعبّر القرآن عن ذلك ويلخصه في عبارة موجزة إِذ يقول: ( فدلاّهما بغرور ){[1362]} .
ومع أن آدمنظراً لسابقة عداء الشيطان له ،ومع علمه بحكمة الله ورحمته الواسعة ،ومحبته ولطفهكان من اللازم أن يبدّد كل الوساوس ويقاومها ،ولا يسلّم للشيطان ،إِلاّ أنه قد وقع ما وقع على كل حال .
وبمجرّد أن ذاق آدم وزوجته من تلك الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما كان عليهما من لباس وانكشفت سوءاتهما ( فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ) .
ويستفاد من العبارة أعلاه أنّهما بمجرّد أن ذاقا من ثمرة الشجرة الممنوعة أُصيبا بهذه العاقبة المشؤومة ،وفي الحقيقة جُرِّدا من لباس الجنّة الذي هو لباس الكرامة الإِلهية لهما .
ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّهما قبل ارتكابهما لهذه المخالفة لم يكونا عاريين ،بل كانا مستورين بلباس لم يرد في القرآن ذكر عن حقيقة ذلك اللباس وكيفيته ،ولكنّه على ايّ حال كان يعدّ علامة لشخصية آدم وحواء ومكانتهما واحترامهما ،وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر الله ،وتجاهلهما لنهيه .
على حين تقول التّوراة المحرفة: إِنّ آدم وحواء كانا في ذلك الوقت عاريين بالكامل ،ولكنّهما لم يكونا يدركان قبح العري ،وعندما ذاقا وأكلا من الشجرة الممنوعة التي كانت شجرة العلم والمعرفة ،انفتحت أبصار عقولهما ،فرأيا عريهما ،وعرفا بقبح هذه الحالة .
إِنّ آدم الذي تصفه التّوراة لم يكن في الواقع إِنساناً ،بل كان بعيداً من العلم والمعرفة جداً ،إلى درجة أنّه لم يكن يعرف حتى عريه .
ولكن آدم الذي يصفه القرآن الكريم ،لم يكن عارفاً بوضعه فحسب ،بل كان واقفاً على أسرار الخلقة أيضاً ( عِلم الأسماء ) ،وكان يُعَدّ معلّم الملائكة ،وإذا ما استطاع الشيطان أن ينفذ فيه فإِنّ ذلك لم يكن بسبب جهله ،بل استغلّ الشيطان صفاء نيّته ،وطيب نفسه .
ويشهد بهذا القول الآية ( 27 ) من نفس هذه السورة ،والتي تقول: ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أُخرج أبوَيكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما ) .
وما كتبه بعض الكّتاب المسلمين من أن آدم كان عارياً منذ البداية ،فهو خطأ بيّن نشأ ممّا ورد في التّوراة المحرفة .
وعلى كل حال فإِنّ القرآن يقول: إِن آدم وحواء لمّا وجدا نفسيهما عاريين عمدا فوراً إلى ستر نفسيهما بأوراق الجنّة: ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ){[1363]} .
وفي هذا الوقت بالذات جاءهما نداء من الله يقول: ألم أُحذِّركما من الاقتراب والأكل من هذه الشجرة ؟ألم أقل لكما: إِنّ الشيطان عدوٌّ لكما ؟فلماذا تناسيتم أمري ووقعتم في مثل هذه الأزمة: ( وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إِنّ الشّيطان لكما عدوّ مبين ) .
من المقايسة بين تعبير هذه الآية والآية الاُولى التي أجاز الله فيها لآدم وحواء أن يسكنا الجنّة ،يستفاد بوضوح أنّهما بعد هذه المعصية ابتعدا عن مقام القرب الإِلهي إلى درجة أنّ أشجار الجنّة أيضاً أضحت بعيدة عنهما .لأنّه في الآية السابقة تمت الإِشارة إلى الشجرة بأداة الإِشارة القريبة ( هذه الشجرة ) وأمّا في هذه الآية فقد استعملت مضافاً إلى كلمة ( نادى ) التي هي للخطاب من بعيد ،استعملت ( تلكما ) التي هي للإِشارة إلى البعيد .
بحوث
إِنّ في هذه الآية نقاطاً لابدّ من التوقف عندها:
1كيفية وسوسة الشيطان يستفاد من عبارة ( وسوس له ) نظراً إلى حرف اللام ( التي تأتي في العادة للفائدة والنفع ) أنّ الشيطان كان يتخذ صفة الناصح ،والمحبّ لآدم ،في حين أن ( وسوس إِليه ) لا ينطوي على هذا المعنى ،بل يعني فقط مجرّد النفوذ والتسلّل الخفيّ إلى قلب أحد .
وعلى كل حال يجب أن لا يتصور أن الوساوس الشيطانية مهما بلغت من القوة تسلب الإِرادة والاختيار من الإنسان ،بل يمكن للإِنسانرغم ذلكوبقوّة العقل والإِيمان أن يقف في وجه تلك الوساوس ويقاومها .
وبعبارة أُخرى: إِن الوساوس الشيطانية لا تجبر الإنسان على المعصية ،بل قوّة الإِرادة وحالة الاختيار باقية حتى مع الوساوس ،وإِنّ مقاومتها تحتاج إلى الاستقامة والصمود الأكثر وربّما إلى تحمّل الألم والعذاب وكذلك فإِنّ الوساوس الشيطانية لا تسلب المسؤولية عن أحد ولا تجرّده عنها ،كما نلاحظ ذلك في آدم .ولهذا نرى أنه رغم جميع العوامل التي حفت بآدم ،ودعته إلى مخالفة أمر الله ونهيه ،وشجعته عليها ،والتي أقامها الشيطان في طريقه ،فإِنّ الله سبحانه اعتبره مسؤولا عن عمله ،ولهذا عاقبه على النحو الذي سيأتي بيانه .
2ماذا كانت الشّجرة الممنوعة ؟
جاءت الإِشارة إلى الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم ،من دون أن يجري حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة ،وأنها ماذا كانت ؟وماذا كان ثمرها ؟بيد أنّه ورد في المصادر الإِسلامية تفسيران لها ،أحدهما «ماديّ » وهو أنّها كانت «الحنطة »{[1364]} كما هو المعروف في الرّوايات .
ويجب الانتباه إلى نقطة ،وهي أن العرب تطلق لفظة «الشجرة » حتى على النبتة ،ولهذا أطلقتفي القرآن الكريملفظة الشجرة على نبتة اليقطين ،إِذ قال سبحانه: ( وانبتنا عليه شجرة من يقطين ){[1365]} .
والتّفسير الآخر «معنوي » وهو أنّ المقصود من تلك الشجرةكما في الرّواياتهو ما عبّر عنها ب «شجرة الحسد » لأنّ آدم طبقاً لهذه الرّواياتبعد ملاحظة مكانته ومقامهتصوّر أنّه لا يوجد فوق مقامه مقام ،ولا فوق مكانته مكانة ،ولكن الله تعال أطلعه على مقام ثلة من الأولياء من ذريته وأبنائه ( رسول الإِسلام وأهل بيته ) ،فحصل عنده ما يشبه الحسد ،وكانت هذه هي الشجرة الممنوعة التي أُمر آدم بأن لا يقربها .
وفي الحقيقة تناول آدمطبقاً لهذه الرّواياتمن شجرتين ،كانت إِحداهما أقلّ منه مرتبةً وأدنى منه منزلة ،وقد قادته إلى العالم المادي ،وكانت هي «الحنطة » .والأُخرى هي الشجرة المعنوية التي كانت تمثل مقام ثلة من أولياء الله ،والذي كان أعلى وأسمى من مقامه ومرتبته ،وحيث أنه تعدّى حدّه في كلا الصعيدين ابتلي بذلك المصير المؤلم .
ولكن يجب أن نعلم أن هذا الحسد لم يكن من النوع الحرام منه ،بل كان مجرّد إِحساس نفساني من دون أن تتبعه أية خطوة عملية على طبقه .
وحيث إنّ للآيات القرآنيةكما أسلفنا مراراًمعان متعدّدة ،فلا مانع من أن يكون كلا المعنيين مرادين من الآية .
ومن حسن الإِتفاق أنّ كلمة «الشجرة » قد استعملت في القرآن الكريم في كلا المعنيين ،فحيناً استعملت في المعنى المادي التعارف للشجرة مثل: ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن ){[1366]} التي هي إِشارة إلى شجرة الزيتون ،وتارة استعملت في الشجرة المعنوية مثل ( والشجرة الملعونة في القرآن ) التي يكون المراد منها إِمّا طائفة من المشركين ،أو اليهود ،أو الأقوام الطاغية الأخرى مثل بني أُمية .
على أنّ المفسّرين أبدوا احتمالات متعددة أُخرى حول الشجرة الممنوعة ،ولكن ما قلناه هو الأبين والأظهر من الجميع .
ولكن النقطة التي يجب أن نذكِّرَ بها هنا ،هي أنه وصفت الشجرة الممنوعة في التّوراة المختلفةالمعترف بها اليوم من قِبَل جميع مسيحيي العالم ويهودييهبشجرة العلم والمعرفة وشجرة الحياة{[1367]} تقول التّوراة: إِن آدم لم يكن عالماً ولا عارفاً قبل أكله من شجرة العلم والمعرفة ،حتى أنّه لا يعرف ولم يميّز عريه ،وعندما أكل من تلك الشجرة ،وصار إِنساناً بمعنى الكلمة طرد من الجنّة خشية أن يأكل من شجرة الحياة أيضاً فيخلد كما الآلهة .
وهذا من أوضح القرائن الشاهدة على أنّ التّوراة الرائجة ليست كتاباً سماوياً ،بل هي من نسيج العقل البشري القاصر المحدود ،الذي يعتبر العلم والمعرفة عيباً وشيناً للإِنسان ،ويعتبر آدم بسبب ارتكابه معصية تحصيل العلم والمعرفة مستحقاً للطرد من جنة الله ،وكأنّ الجنّة لم تكن مكان العقلاء الفاهمين ومنزل العلماء العارفين !!
والملفت للنظر أنّ الدّكتور «ويليم ميلر » الذي يُعَدّ من مفسري الإِنجيل القديرين والبارزين بل من مفسّري العهدين ( التّوراة والإِنجيل معاً ) يقول في كتابه المسمى «ما هي المسيحية »: «إِنّ الشيطان تسلّل إلى الجنّة في صورة حيّة ،وأقنع حواء بأن تأكل من ثمرة تلك الشجرة ،ثمّ أعطت حواء من تلك الثمرة إلى آدم ،فأكل منها آدم أيضاً ،ولم يكن فعل أبوينا الأوليين مجرّد خطأ عادي ،أو غلطة ناشئة من عدم التفكير ،بل كان معصية متعمّدة ضدّ الخالق ،وبعبارة أُخرى: إِنّ آدم وحواء كانا يريدان بهذا الصنيع أن يصيرا آلهة ،إنّهما لم يرغبا في أن يطيعا الله ،بل كانا يريدان أن يعملا وفق رغباتهما وميولهما الشخصية ،فماذا كانت النتيجة ؟لقد وبّخهما اللهُ تعالى بشدّة ،وأخرجهما من الجنّة ،ليعيشا في عالم مليء بالعذاب والألم والمحنة » .
لقد أراد مفسّر التّوراة والإِنجيل هذا أن يبرر شجرة التّوراة الممنوعة ،ولكنّه نسب أعظم الذنوب وهو مضادة الله ومحاربتهإلى آدم ...أمّا كان من الأفضل أن يعترفبدل إِعطاء مثل هذه التّفسيراتبتطرّق التحريف والتلاعب إلى هذه الكتب المسماة بالكتب المقدّسة ؟!
3هل ارتكب آدم معصية ؟
يستفاد ممّا نقلناه من الكتب المقدَّسةلدى اليهود والنصارىأنّهم يعتقدون بأن آدم ارتكب معصية ،بل ترى كتبهم أن معصيته لم تكن معصية عادية ،وإِنما كانت معصية كبيرة وإِثماً عظيماً ،بل إِن الذي صَدَرَ عن آدم هو مضادة الله والطموح في الألوهية والربوبيّة ،ولكن المصادر الإِسلاميةعقلا ونقلاتقول لنا: إِنّ الأنبياء لا يرتكبون إِثماً ،وإِنّ منصب إِمامة الناس وهدايتهم لا يُعطى لمن يرتكب ذنباً ويقترف معصية .ونحن نعلم أن آدم كان من الأنبياء الإِلهيين ،وعلى هذا الأساس فإِنّ كل ما ورد في هذه الآيات مثل غيرها من التعابير التي جاءت في القرآن حول سائر الأنبياء الذين نسب إِليهم العصيان ،جميعها تعني «العصيان النسبي » و«ترك الأَولى » لا العصيان المطلق .
وتوضيح ذلك: أن المعصية على نوعين: «المعصية المطلقة » و«المعصية النسبية » ،والمعصية المطلقة هي مخالفة النهي التحريمي ،وتجاهل الأمر الإِلهيّ القطعىّ ،وهي تشمل كلَّ نوع من أنواع ترك الواجب وإِتيان الحرام .
ولكن المعصية النسبية هي أن يصدر من شخصية كبيرة عمل غير حرام لا يناسب شأنه ولا يليق بمقامه ،وربّما يكون إِتيان عمل مباحبل ومستحبلا يليق بشأن الشخصيات الكبيرة ،وفي هذه الصورة يُعدّ إِتيان ذلك العمل «معصية نسبية » ،كما لو ساعد مؤمنٌ واسع الثراء فقيراً لإِنقاذه من مخالب الفقر بمبلغ تافه ،فإِنه ليس من شك في أنّ هذه المعونة المالية مهما كانت صغيرة وحقيرة لا تكون فعلا حراماً ،بل هي أمر مستحب ،ولكن كل من يسمع بها يذمُ ذلك الغني حتى كأّنه ارتكب معصية واقترف ذنباً ،وذلك لأنّه يتوقّع من مثل هذا الغني المؤمن أن يقوم بمساعدة أكبر .
وانطلاقا من هذه القاعدة وعلى هذا الأساس تقاس الأعمال التي تصدر من الشخصيات الكبيرة بمكانتهم وشأنهم الممتاز ،وربّما يطلق على ذلك العملمع مقايسته بذلكلفظ «العصيان » و«الذنب » .
فالصّلاة التي يقوم بها فرد عادي قد تعتبر صلاة ممتازة ،ولكنّها تعدّ معصية إذا صدر مثلها من أولياء الله ،لأن لحظة واحدة من الغفلة في حال العبادة لا تناسب مقامهم ولا تليق بشأنهم .بل نظراً لعلمهم وتقواهم ومنزلتهم القريبة يجب أن يكونوا حال عبادة الله تعالى مستغرقين في صفات الله الجمالية والجلالية ،وغارقين في التوجه إلى عظمته وحضرته .
وهكذا الحال في سائر أعمالهم ،فإِنّها على غَرار عباداتهم ،يجب أن تقاس بمنازلهم وشؤونهم ،ولهذا إذا صدر منهم «ترك الأولى » عوتبوا من جانب الله ،والمراد من ترك الأَولى ،هو أن يترك الإنسان فعل ما هو الأفضل ،ويعمد إلى عمل جيد أو مُستحبّ أدنى منه في الفضل .
فإنّنا نقرأ في الأحاديث الإِسلامية أن ما أُصيب به يعقوب من محنةِ فراقِ ولده يوسف ،كان لأجل غفلته عن إِطعام فقير صائم وقف على باب بيته عند غروب الشمس يطلب طعاماً ،فغفل يعقوب عن إطعامه ،فعاد ذلك الفقير جائعاً منكسراً خائباً .
فلو أنّ هذا الصنيع صدر من إِنسان عادي من عامّة الناس لما حظي بمثل هذه الأهمية والخطورة ،ولكن يُعدّ صدوره من نبيّ إِلهيٍّ كبير ،ومن قائد أُمّة أمراً مُهمّاً وخطيراً استتبع عقوبةً شديدةً من جانبِ الله تعالى{[1368]} .
إِنّ نهي آدم عن الشجرة الممنوعة لم يكن نهياً تحريمياً ،بل كان ترك أَوْلى ،ولكن نظراً إلى مكانة آدم ومقامه ومرتبته عُدَّ صدورُه أمراً مهماً وخطيراً ،واستوجب مخالفة هذا النهي ( وإِن كان نهياً كراهياً وتنزيهياً ) تلك العقوبة والمؤاخذة من جانب الله تعالى .
هذا وقد احتمل بعض المفسّرينأيضاًأنّ نهي آدم عن الشجرة الممنوعة كان «نهياً إِرشادياً » لا نهياً مولوياً ،وتوضيح ذلك: أنه قد ينهى الله تعالى عن شيء من منطلق كونه مالك الإنسان وصاحب أمره ومولاه ،وطاعة هذا النوع من النهي واجبة على كل أحد من الناس ،وهذا النوع من النهي يسمى نهياً مولوياً .
ولكنّه قد ينهي عن شيء لمجرّد أن ينبه الإنسان على أن ارتكاب هذا النهي ينطوي على أثر غير محمود تماماً ،مثل نهي الطبيب عن الأطعمة المضّرة ،ولا شك في أنّ المريض لو خالَفَ الطبيب لا يكون قد أهان الطبيب ،ولا أنّه خالف شخصه ،بل يكون بتجاهله نهيَ الطبيب قد تجاهَلَ إِرشاده ،وجرّ إلى نفسه التَعَب والنَصَب .
وفي قصة آدم أيضاً قال الله تعالى له: إِنّ نتيجة الأكل من الشجرة الممنوعة هي الخروج من الجنّة ،والوقوع في التعب والنصب ،وكان هذا مجرّد إرشاد وليس أمراً ،وبهذا فإِنّ آدم خالفَ نهياً إِرشادياً فقط ،لا أنّه أتى عصياناً وذنباً واقعياً .
ولكنَ التّفسير الأوّل أصحّ ،لأنَّ النهي الإِرشاديّ لا يحتاج إلى مغفرة ،في حين أنَّ آدمما سنقرأ في الآية اللاحقةيطلب من الله تعالى الغفران ،هذا مضافاً إلى أنّ فترة الجنّة كانت تعدّ فترةً تدريبية وتعليمية بالنسبة لآدم ...،فترة الوقوف على التكاليف والأوامر والنواهي الإِلهية ...فترة معرفة الصّديق والعدو ...فترة الوقوف على نتائج العصيان وثمرة مخالفة الأمر الإِلهي واتباع الشيطان وقبول وساوسه ،ونحن نعلم أنّ النهي الإِرشادي ليس في حقيقته تكليفاً ،ولا ينطوي على تعهّد ،ولا يورث مسؤولية .
وفي خاتمة هذا البحث نذكّر القارئ بأنّ كلمة «النهي » و«العصيان » و«الغفران » و«الظلم » تبدو في بادئ النظر وكأنها تعطي معنى المعصية المطلقة والذنب الحقيقي وآثاره ،ولكن نظراً لمسألة عصمة الأنبياء الثابتة بالدليل العقلي والنقلي تُحمل جميع هذه التعابير على «العصيان النسبيّ » وهذا الأمر لا يبدو بعيداً عن ظاهر اللفظ بالنظر إلى منزلة آدم وسائر الأنبياء العظيمة وسمو مقامه .