المفردات:
فدلاهما بغرور: أي: فأنزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما من دلى الشيء وأدلاه ،أي: أنزله من أعلى إلى أسفل .
وطفقا: أي: شرعا وأخذا .
يخصفان: يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة من قولهم: خصف الاسكافي النعل ،إذا وضع عليها مثلها .
التفسير:
فدلاهما فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما ...الآية .
التدلية والإدلاء: إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل ،وأصله أن الرجل العطشان يدلى في البئر بدلوه ؛ليشرب من مائها ،فإذا ما أخرج الدلو لم يجد به ماء ،يكون مدليها فيها بغرور .
والغرور: إظهار النصح مع إبطان الغش ،وأصله من غررت فلانا أي: أصبت غرته وغفلته ،ونلت منه ما أريد .
والمعنى: أن الشيطان أهبطهما بذلك من الرتبة العلية وهي رتبة الطاعة والكرامة ،بما خدعهما به من اليمين الكاذبة .
فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ...
أي: لما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها ،أخذتهما العقوبة .وشؤم المعصية ،فتساقط عنهما لباسهما ،وظهرت لهما عوراتهما ،وشرعا يلزقان من ورق الجنة ،ورقة فوق أخرى على عوراتهما لسترها .
وقوله تعالى: وطفقا يخصفان ...إشارة إلى موالاة الخصف من ورق الشجر ..والخصف: جمع الشيء إلى الشيء وخياطته به ،ومنه خصف النعل إذا جمعت بعضه إلى بعض بإلصاق أو خياطة .
قال الشيخ حسنين محمد مخلوف في صفوة البيان لمعاني القرآن:
ولعل المعنى – والله أعلم – إنهما لما ذاقا الشجرة ،وقد نهيا عن الأكل منها ظهر لهما أنهما قد زلا ،وخلعا ثوب الطاعة ،وبدت منهما سوأة المعصية ،فاستحوذ عليهما الخوف والحياء من ربهما ،فأخذا يفعلان ما يفعل الخائف الخجل عادة في الاستتار والاستخفاء حتى لا يرى ،وذلك بخصف أوراق الجنة عليهما ليستترا بها ،ومالهما إذ ذاك حيلة سوى ذلك ؛فلما سمعا النداء الرباني بتقريعهما ولومهما ،ألهما أن يتوبا إلى الله ،ويستغفرا من ذنبهما بكلمات من فيض الرحمة الإلهية ،فتاب الله عليهما وهو التواب الرحيم ،وقال لهما فقط ،أو لهما ولذريتهما ،أو لهما ولإبليس: اهبطوا من الجنة إلى الأرض ؛لينفذ ما أراد الله من استخلاف آدم وذريته في الأرض ،وعمارة الدنيا بهم إلى الأجل المسمى ،ومنازعة عدوهم لهم فيها ،والله بالغ أمره ،قد جعل الله لكل شيء قدرا .
وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ...
أي: ناداهما الله بطريق العتاب والتوبيخ ،حيث خالفا أمر الله فأكلا من الشجرة بعينها ،ولم يحذرا ما حذرهما منها ،فقال سبحانه لهما ،ألم أنهكما عن الأكل من هذه الشجرة ؟!
وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين .أي: ألم أقل لكما: إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة لا يفتر عن إيذائكما وإيقاع الشر بكما .
جاء في تفسير أبي السعود:
روى أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة ،فقال: بلى وعزتك ،ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا ،قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ،ثم لا تنال العيش إلا كدا ،فاهبط وعلم صنعة الحديد ،وأمر بالحرث ،فحرث وسقى وحصد ودرس وذرى وعجن وخبز .