{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 5} .
المفردات:
يثنون صدورهم: يطوون قلوبهم على ما فيها من نوايا .
ليستخفوا منه: ليستروا أنفسهم عنه سبحانه .
يستغشون ثيابهم: يوارون أنفسهم بثيابهم .
التفسير:
3{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ...} الآية .
أي: إن هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التوحيد يحنون ظهورهم ،وينكسون رءوسهم ،كأنهم يحاولون طي صدورهم على بطونهم حين سماع القرآن ؛ليستخفوا منه صلى الله عليه وسلم حين تلاوته ،فلا يراهم حين نزول هذه القوارع على رءوسهم .
روى ابن جرير وغيره: أن ابن شداد قال: كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ثنى صدره: كيلا يراه أحد .
جاء في تفسير الآلوسي ما يأتي:
قيل: نزلت في المنافقين ،كان أحدهم إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره ،وتغشى بثوبه ؛لئلا يراه .
وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق ،وكان رجلا حلو المنطق ،حسن السياق للحديث ،يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المحبة ،ويضمر في قلبه ما يضادها ،وقيل: كان الرجل من الكفار يدخل بيته ،ويرخي ستره ،ويحني ظهره ،ويتغشى بثوبه ،ثم يقول: هل يعلم الله ما في قلبي فنزلت هذه الآية ...ا ه .
ويمكن أن تشمل الآية الكريمة جميع هؤلاء ،كما تشمل كل من يتستر ويستخفي بعمل الشر ظانا أنه لن ينكشف أمره ،ولن يظهر للناس سوء فعله .
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
أي: إن ثنى صدورهم ،وتنكيس رءوسهم ؛ليستخفوا من الداعي إلى توحيد ربهم ؛لا يغني عنهم شيئا ؛فإنه سبحانه وتعالى يعلم السر والجهر ،ويعلم ما يضمرونه وما يعلنونه .
{إنه عليم بذات الصدور}: إنه سبحانه وتعالى محيط بما تضمره النفوس من خفايا ،وما يدور بها من أسرار ،وهذه الجملة تعليلية ؛لتأكيد ما قبلها من علمه سبحانه وتعالى بالسر والعلن .
والمراد بذات الصدور: أسرار الصدور وخواطر القلوب ،وكل ما يدور في داخل الإنسان .
فالله سبحانه خالق الإنسان ،مطلع على خطرات نفسه ،محيط علمه بظاهره وباطنه .
قال تعالى:{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} .( ق:16 ) .