قوله تعالى:{ربّ السموات والأرض وما بينهما وربّ المشرق} [ الصافات: 5] .
إن قلتَ: لم جمع هنا المشارق وحذف مقابله({[532]} ) ،وثنّاه في الرحمن ،وجمعه في المعارج ،وأفرده في المزّمّل مع ذكر مقابله في الثلاثة ؟ !
قلتُ: لأن القرآن نزل على المعهود ،من أساليب كلام العرب وفنونه ،ومنها الإجمال والتفصيل ،والذّكر والحذف ،والجمع والتثنية والإفراد ،باعتبارات مختلفة ،فأفرد وأجمل في المزمّل ،بقوله:{ربّ المشرق والمغرب} [ المزمل: 28] أراد مشرق الصيف والشتاء ومغربهما ،وجمع وفصّل في المعارج بقوله:{فلا أقسم بربّ المشرق والمغرب} [ المعارج: 40] أراد جميع مشارق السنة ومغاربها ،وهي تزيد على سبعمائة ،وثنّى وفصّل في الرحمن بقوله:{ربّ المشرقين وربّ المغربين} [ الرحمن: 17] أراد مشرقي الصيف والشتاء({[533]} ) ومغربهما ،وجمع وحذف هنا بقوله:{وربّ المشرق} أراد جميع مشارق السنة ،واقتصر عليه لدلالته على المحذوف ،وخصّ ما هنا بالجمع موافقة للجموع أول السورة ،وبالحذف مناسبة للزينة في قوله:{إنا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [ الصافات: 6] إذ الزينة إنما تكون غالبا بالضياء والنور ،وهما ينشئان من المشرق لا من المغرب ،وما في الرحمن بالتثنية ،موافقة للتثنية في"يسجدان "وفي{فبأي آلاء ربّكما تكذّبان} [ الرحمن: 13] وبذكر المتقابلين موافقة لبسط صفاته تعالى وإنعاماته ثمّ ،وما في المعارج بالجمع ،موافقة للجمع قبله وبعده ،وبذكر المتقابلين موافقة لكثرة التأكيد في القسم وجوابه ،وما في المزّل بالإفراد موافقة لما قبله ،من إفراد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ،وما بعده من إفراد ذكر الله تعالى ،وبذكر المتقابلين موافقة للحصر في قوله:{لا إله إلا هو} [ المزمل: 28] ولبسط أوامر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم .