قوله تعالى:{يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} الآية [ الأنعام: 130] .
فإن قلتَ: كيف قال ذلك ،والرسل إنما كانت من الإنس خاصة ؟ !
قلتُ: بل ومن الجن أيضا على قول الضحاك ومقاتل ،أنه أُرسل إليهم رسل ،وأما على قول غيرهما بمنع ذلك ،فالمراد برسل الجن "،الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم ولّوا إلى قومهم منذرين ،كما قال تعالى:{وإذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ يستمعون القرآن ...} الآية [ الأحقاف: 29] .
قوله تعالى:{قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [ الأنعام: 130] كرّر شهادتهم على أنفسهم ،لاختلافها باختلاف المشهود به ،لأن الأولى شهادتُهم بتبليغ الرسل إليهم ،والثانية شهادتهم بكفرهم .
فإن قلتَ: شهادتهم بكفرهم تضمّنت إقرارهم به ،وهو مناف لجحدهم في قوله حكاية عنهم{والله ربّنا ما كنا مشركين} [ الأنعام: 23] ؟ !
قلتُ: مواقف القيامة مختلفة ،ففي مواقف أقرّوا ،وفي آخر جحدوا .
أو المراد بشهادتهم: شهادة أعضائهم عليهم ،حين يُختم على أفواههم ،كما قال تعالى:{اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [ يس: 65] .وبجحدهم: جحدُهم بأفواههم قبل أن يُختم عليها .