قوله تعالى : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } ؛ رُوي عن ابن عباس قال : " يعني احذروا إذا أسخطتموه دعاءه عليكم فإن دعاءه مجاب ليس كدعاء غيره " . وقال مجاهد وقتادة : " ادعوه بالخضوع والتعظيم نحو يا رسول الله يا نبي الله ولا تقولوا يا محمد كما يقول بعضكم لبعض " . قال أبو بكر : هو على الأمرين جميعاً لاحتمال اللفظ لهما .
وقوله تعالى : { قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } ، يعني به المنافقين الذين كانوا ينصرفون عن أمر جامع من غير استئذان يَلُوذُ بعضهم ببعض ويستتر به لئلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم منصرفاً .
قوله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، معناه : فليحذر الذين يخالفون أمره . ودخل عليه حرف الجر لجواز ذلك في اللغة ، كقوله : { فبما نقضهم ميثاقهم } [ النساء : 155 ] معناه : فبنقضهم ميثاقهم . و " الهاء " في " أمره " يحتمل أن يكون ضميراً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون ضميراً لله تعالى ؛ والأظهر أنها لله لأنه يليه ، وحكم الكناية رجوعها إلى ما يليها ما تقدمها . وفيه دلالة على أن أوامر الله على الوجوب ؛ لأنه ألزم اللَّوْمَ والعِقَابَ لمخالفة الأمر ، وذلك يكون على وجهين ، أحدهما : أن لا يقبله فيخالفه بالردّ له ، والثاني : أن لا يفعل المأمور به وإن كان مقرّاً بوجوبه عليه ومعتقداً للزومه ؛ فهو على الأمرين جميعاً ومن قَصَرَهُ على أحد الوجهين دون الآخر خَصَّه بغير دلالة . ومن الناس من يحتجّ به في أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب ، وذلك لأنه جعل الضمير في " أمره " للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفِعْلُه يسمّى أمْره ، كما قال تعالى : { وما أمر فرعون برشيد } [ هود : 97 ] يعني أفعاله وأقواله . وهذا ليس كذلك عندنا ؛ لأن اسم الله تعالى فيه بعد اسم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً } ، وهو الذي تليه الكناية ، فينبغي أن يكون راجعاً إليه دون غيره .