/م63
71 - وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ...
الذكر: القرآن الذي هو فخرهم .
عن ذكرهم: عن فخرهم .
لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن وهو وحي السماء ،معلنا توحيد الله نابذا للشرك ،داعيا إلى مكارم الأخلاق محذرا من الفحشاء والمنكر ،لقد كان القرآن حربا على الشرك والوثنية ،والبغي والعدوان ،ورسم الطريق القويم ،ودعا إلى مكارم الأخلاق ،وحذر من الجنوح والرذيلة ،والزنا والربا وأكل مال اليتيم ،والبغي والعدوان .
إن القرآن حق ،والحق لا يتبع الهوى ،بل الواجب على الإنسان ترك الهوى واتباع الحق ،فإن اتباع الهوى يؤدي إلى استباحة الأموال والأعراض ،والشرك بالله ...ولو اتبع القرآن أهواء الناس فأباح الشرك بالله ،والزنا والربا ،وأقر السلب والنهب والسرقة ،وأهمل القيم الخلقية ،لاختل نظام العالم ،ووقع التناقض وانتشرت الفوضى والفساد ،واختلطت الأنساب وتهدمت الأسر .
وقال القرطبي: إن الحق هنا هو الله سبحانه وتعالى ،وتقديره في العربية: ولو اتبع صاحب الحق أهواءهم .
وقيل: المعنى: ولو كان الحق ما يقولون من اتخاذ آلهة مع الله تعالى ،لتنافست الآلهة وأراد بعضهم ما لا يريده بعض ،فاضطرب التدبير وفسدت السماوات والأرض ،وإذا فسدتا فسد من فيهما .
ومن فيهن .
إشارة إلى من يعقل من ملائكة السماوات وإنس الأرض وجنها ،وأما ما لا يعقل فهو تابع لما يعقلxxii .
ثم شنع القرآن عليهم ،لإعراضهم عن معالم الحق والخير والهدى فقال:
بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ .
لقد جاء القرآن عظة وهداية ،ومجدا وشرفا لهم ،وكان الأولى أن يهتدوا به ويلتفوا حوله .قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ .( الزخرف: 44 ) .أي: القرآن شرف لك يا محمد ولقومك ؛لأنه وحد العرب وجمعهم وعلمهم وطهرهم ،ولم يكن للعرب في الجاهلية كبير شأن ،فكانوا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس ،وكان القرآن روحا وحياة لأمة العرب ،ولما دخلوا في الإسلام زلزلوا عروش الأكاسرة والقياصرة ،وفتح الله بهم البلاد ونصرهم على العباد ،وكلما اقترب المسلمون من القرآن ،وعملوا بأحكام الإسلام ؛ارتفع شأنهم وعلا أمرهم ،وكلما بعدوا عن هدى القرآن ؛ضعف شأنهم .
وخلاصة المعنى:
بل جئناهم بالقرآن الذي هو عزهم وشرفهم ،وفخرهم وإعلاء سمعتهم ،ولكنهم معرضون عن هذا الذكر الذي سطر لهم الخلود والمجد .