قوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم } :
التفث ما يأتيه المحرم بعد حله مما كان محظورا عليه كالحلق والتقصير وإزالة الشعث ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة التي جاءت في الحديث ، وفي مقتضى ذلك قضاء جميع المناسك إذ لا يكون قضاء التفث إلا بعد ذلك . وقد اختلف في غير الحاج هل عليه أن يترك إلغاء التفث عن نفسه أيام الحج أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه لا يحرم عليه تقليم الأظافر ولا قص الشارب ونحو ذلك . وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يهدي في المدينة فافتلوا قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم {[9812]} ومذهب ربيعة وأحمد وإسحاق وابن المسيب المنع من ذلك أخذا بقوله عليه الصلاة والسلام : " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا أظفاره شيئا حتى يضحي " {[9813]} والحديث في مسلم . وفيه أيضا : " فإن كنا في الحمام فأطلي بعضهم " . فقال بعضهم إن ابن المسيب يكره هذا وينهى عنه في الأضحى . فلقيت ابن المسيب فذكرت ذلك له . فقال يا ابن أخي : هذا حديث نسي وترك حدثتني أم سلمة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكرت الحديث {[9814]} ومذهب الشافعي أن ترك التقليم والقص مندوب إليه وحمل الحديث على ذلك وحكي أيضا عن مالك ورخص فيه أصحاب الرأي .
وقوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } : قال مجاهد : يعني الحج والعمرة ، وما نذر الإنسان من شيء يكون فيهما . وقال ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البدن {[9815]} وقال القشيري {[9816]} : هو رمي الجمار ، وأصله من رمي جمرة العقبة خاصة إذ بها يتحلل من الإحرام . وقد يجوز أن يدخل في معناها غيرها . وقال : قوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } يدل على وجوب إخراج النذر وإن كان دما أو هديا أو غيره . ويدل ذلك على أن النذر لا يجوز أن يؤكل منه {[9817]} . وقوله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } اختلف في هذا الطواف ما هو ، فقيل هو طواف الإفاضة الذي هو من واجبات الحج . قال الطبري : ولا خلاف بين المتأولين في ذلك وقيل هو طواف الوداع ذكره الطبري {[9818]} . وقوله : { ومن يعظم حرمات الله } : الحرمات{[9819]} المقصودة هنا هي الأفعال المشار إليها في الآية قبل : { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ( 29 ) } ويدخل في ذلك تعظيم المواضع المحترمة ، قاله ابن زيد وغيره {[9820]} .