قوله تعالى:{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ...} [ لقمان: 27] .
إن قلت: المطابق لأولها أن يقال: وما في الأبحر من ماء مداد ،فلم عدل عنه إلى قوله:{والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر} ؟
قلتُ: استغنى عن المِداد بقوله:{يمدّه} من مدّ الدواة وأمدّها أي زادها مدادا ،فجعل البحر المحيط بمنزلة الدّواة ،والأبحر السبعة مملوءة مدادا أبدا ،تنقل لا تنقطع ،فصار نظير ما قلتم ،ونظير قوله تعالى:{قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي} [ الكهف: 109] الآية ،وأشار ب"لو "إلى أن البحار غير موجودة ،أي لو مُدَّت البحار الموجودة سبعة أبحر أخرى ،وذكر السبعة ليس للحصر بل للمبالغة ،وإنما خُصّت بالذكر لكثرة ما يُعدّ بها ،كالكواكب السيارة ،والسموات ،والأرضين ،وغيرها ،ولأنها عدد تنحصر فيه المعدودات الكثيرة ،إذ كلّ أحد يحتاج في حاجته إلى زمان ومكان ،والزمان منحصر في سبعة أيام ،والمكان في سبعة أقاليم .
فإن قلتَ: المقصود هنا التفخيم والتعظيم ،فكيف أتى بجمع القلة في قوله:{كلمات الله} ؟[ لقمان: 27[.
قلتُ: جمع القلّة هنا أبلغ في المقصود ،لأن جمع القلّة إذا لم ينفذ بما ذُكر من الأقلام والمداد ،فكيف ينفذ به جمع الكثرة ؟ !