ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم بقوله سبحانه{ لم يلد} تنصيصا على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح ،ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي ،أي لم يصدر عنه ولد ؛ لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا ،كما نطق به قوله تعالى{[7584]}{ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} ،ولا يفتقر إلى ما يعينه أو يخلفه لاستحالة الحاجة والفناء عليه سبحانه انتهى .
وقال ابن تيمية:وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة كل أفرادها سواء سموها حسية أو عقلية ،كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة ،والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها ،هل هي جواهر أو أعراض ؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور ،والنفوس بمنزلة الإناث ،ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة ،وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم الذين جعلوا له بنين وبنات ،قال تعالى{[7585]}:{ وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} ،وقال تعالى{[7586]}{ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون} ،وكانوا يقولون:الملائكة بنات الله ،كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة ،وهي متولدة عن الله ،فقال تعالى:{[7587]}{ ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} ،والآيات في هذا كثيرة .
وقوله{ ولم يولد} نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات ،فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه ،وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه ،قال الإمام:قوله{ ولم يولد} يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون إلها ،ويعبد عبادة الإله ،ويقصد فيما يقصد فيه الإله ؛ بل لا يستحيي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بأم الإله القادرة ،فإن المولود حادث ،ولا يكون إلا بمزاج ،وهو لا يسلم من عاقبة الفناء ،ودعوى أنه أزلي مع أبيه مما لا يمكن تعقله ،فهو سبحانه منزه عن ذلك .