{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} أي بل للإنعام عليهم .وما أنعمنا عليهم بذلك إلا ليقوموا بشكرها وينصرفوا إلى ما خلقوا له .قال الزمخشري عليه الرحمة:أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق ،مشحونة بضروب البدائع والعجائب ،كما تسوي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم ،للهو واللعب .وإنما سويناها للفوائد الدينية ،والحكم الربانية ،لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا ،مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعد والمرافق التي لا تحصى .وقال أبو السعود:في هذه الآية إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم وإبداع بني آدم ،مؤسس على قواعد الحكم البالغة ،المستتبعة للغايات الجليلة .وتنبيه على أن ما حكي من العذاب الهائل والعقاب النازل بأهل القرى ،من مقتضيات تلك الحكم ومتفرعاتها .عن حسب اقتضاء أعمالهم إياه .وإن للمخاطبين المقتدين بآثارهم ذنوبا مثل ذنوبهم .أي ما خلقناهما وما بينهما على هذا النمط البديع والأسلوب المنيع ،خالية عن الحكم الخالي عن الحكمة .بتصويره بصورة ما لا يرتاب أحد في استحالة صدوره عنه تعالى .بل إنما خلقناهما وما بينهما لتكون مبدأ لوجود الإنسان وسببا لمعاشه .ودليلا يقوده إلى تحصيل معرفتنا التي هي الغاية القصوى ،بواسطة طاعتنا وعبادتنا .كما ينطق به قوله تعالى:{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} وقوله تعالى:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}