{ وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال قتادة"كانت آلهة تعبدها قوم نوح ثم عبدتها العرب بعد ذلك ".
قال"فكان ( ود ) لكلب بدومة الجندل وكانت ( سواع ) لهذيل وكان ( يغوث ) لبني غطيف من مراد بالجرف وكان ( يعوق ) لهمدان وكان ( نسر ) لذي الكلاع من حمير ".
وقال في ( رواية ) والله ما عدا أي كل منهما خشبة أو طينة أو حجرا .
قال ابن جرير{[7235]} كان من خيرهم فيما بلغنا من محمد بن قيس قال"كانوا قوما صالحين من بني آدم وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم ".
وروى البخاري{[7236]} عن ابن عباس رضي الله عنهما قال"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب ،بعد أما ( ود ) فكانت لكلب بدومة الجندل وأما ( سواع ) فكانت لهذيل ،وأما ( يغوث ) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبا ،وأما ( يعوق ) فكانت لهمدان وأما ( نسر ) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ،أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ".
تنبيهات:الأول قال الرازي في انتقالها عن قوم نوح إلى العرب إشكال لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان ،فكيف بقيت تلك الأصنام وكيف انتقلت إلى العرب ولا يمكن أن يقال إن نوحا عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعيا منه في حفظها ؟ انتهى كلامه .
ونحن نقول إن جوابه بديهي وهو أن انتقالها إلى العرب بواسطة نقل أحوال قوم نوح وأبنائهم وعوائدهم على ألسنة الرحل والسمار لأن سيرة القرن المتقدم في العصر المتاخر وسنة الخالف أن يؤرخ السالف وجلي أن النفس أميل إلى الجهل منها إلى العلم لا سيما إذا زين لها المنكر بصفة تميل إليها فتكون ألصق به وهكذا كان بعد انقراض العلم وحملته أن حدث ما حدث من عبادتها كما أشارت إليه رواية ابن عباس عند البخاري"حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت "وعجيب من الرازي أن لا يجد مخرجا من سؤاله وهو على طرف الثمام .
الثاني قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) حكى الواقدي قال كان ( ود ) على صورة رجل و ( سواع ) على صورة امرأة و ( يغوث ) على صورة أسد و ( يعوق ) على صورة فرس و ( نسر ) على صورة طائر ،وهذا شاذ والمشهور أنهم كانوا على صورة البشر وهو مقتضى ما تقدم من الآثار في سبب عبادتها انتهى .
الثالث قال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) أول ما كاد به الشيطان عباد الأصنام من جهة العكوف على القبور وتصاوير أهلها ليتذكرونهم بها كما قص الله سبحانه قصصهم في كتابه فقال{ وقالوا لا تذرن ءالهتكم ...} الآية .
ثم قال وتلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم فطائفة دعاهم إلى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صوروا تلك الأصنام على صورهم كما تقدم عن قوم نوح عليه السلام ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم{[7237]} المتخذين على القبور المساجد والسرج ونهى عن الصلاة إلى القبور وسأل{[7238]} ربه سبحانه أن لا يجعل قبره وثنا يعبد ونهى أمته أن يتخذوا قبره عبدا وقال{[7239]}"اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "وأمر بتسوية القبور وطمس التماثيل فأبى المشركون إلا خلافه في ذلك كله إما جعلا وإما عنادا لأهل التوحيد ولم يضرهم ذلك شيئا ...إلى آخر ما ذكره رحمه الله .