وقوله تعالى:{ ولسوف يرضى} قال ابن جرير{[7491]} أي ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله إذا لقي ربه تبارك وتعالى ففيه وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها إذ به يتحقق الرضا وهذا على أن ضمير{ يرضى} ل ( الأتقى ) لا للرب قال الشهاب وهو الأنسب بالسياق واتساق الضمائر .
وذهب بعضهم إلى الثاني ومنهم الإمام قال أي ولسوف يرضى الله عن ذلك الأتقى الطالب بصفة رضاه ( ثم قال ) والتعبير ب{ سوف} لإفادة أن الرضا يحتاج إلى بذل كثير ولا يكفي القليل من المال لأن يبلغ العبد درجة الرضا الإلهي .
تنبيه:قال ابن كثير ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك ،ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن اللفظ لفظ العموم وهو قوله تعالى{[7492]}{ وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى} ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ،فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية"أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك "وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ،فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم ؟ وفي الصحيحين{[7493]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير .فقال أبو بكر:يا رسول الله ما على من يدعي منها ضرورة ،فهل يدعي منها كلها أحد ؟ قال نعم ،وأرجوا أن تكون منهم ".انتهى .