{ ليلة القدر خير من ألف شهر} فكرر ذكرها ثلاث مرات ،ثم أتى بالاستفهام الدال على أن شرفها ليس مما تسهل إحاطة العلم به ،ثم قال ( إنها خير من ألف شهر ) ؛ لأنه قد مضى على الأمم آلاف الشهور وهم يتخبطون في ظلمات الضلال ،فليلة يسطع فيها نور الهدى خير من ألف شهر من شهورهم الأولى ،ولك أن تقف في التفضيل عند النص ،وتفوض الأمر في تحديد ما فضلت عليه الليلة بألف شهر إلى الله تعالى ،فهو الذي يعلم سبب ذلك ،ولم يبينه لنا ،ولك أن تجري الكلام على عادتهم في التخاطب ،وذلك في الكتاب كثير ،ومنه الاستفهام الواقع في هذه السورة{ وما أدراك ما ليلة القدر} فإنه جار على عادتهم في الخطاب ،وإلا فالعليم الخبير لا يقع منه أن يستفهم عن شيء فيكون التحديد بالألف لا مفهوم له ؛ بل الغرض منه التكثير ،وإن أقل عدد تفضله هو ألف شهر ،ثم إن درجات فضلها على هذا العدد غير محصورة ،فإذا قلت:( إخفاء الصدقة خير من إظهارها ) لن تعين درجة الأفضلية ،وهي درجات فوق درجات ،وقد جاء في الكتاب في واقعة واحدة - وهي واقعة بدر- أن الله أمد المؤمنين بألف من الملائكة ،أو بثلاثة آلاف ،أو بخمسة آلاف ،كما تراه في الأنفال وآل عمران ،فالعدد هناك لا مفهوم له كما هو ظاهر ،فهي ليلة القدر خير من الدهر إن شاء الله ،ثم استأنف لبيان بعض مزاياها .