{ تنزل الملائكة والروح فيها} يخبر جل شأنه أن أول عهد للنبي صلى الله عليه وسلم بشهود الملائكة ،كان في تلك الليلة تنزلت من عالمها الروحاني الذي لا يحده حد ،ولا يحيط به مقدار ،حتى تمثلت لبصره صلى الله عليه وسلم ،والروح هو الذي يتمثل له مبلغا للوحي ،وهو الذي سمي في القرآن بجبريل ،وإنما تظهر الملائكة والروح{ بإذن ربهم} أي إنما تتجلى الملائكة على النفس الكاملة بعد أن هيأها الله لقبول تجليها ،وليست تتجلى الملائكة لجميع النفوس كما هو معلوم ،فذلك فضل الله يختص به من يشاء ،واختصاصه هو إذنه ومشيئته ،ثم إن هذا الإذن مبدؤه الأوامر والأحكام ؛ لأن الله يجلي الملائكة والروح على النفوس لإيحاء ما يريده منها ،ولهذا قال{ من كل أمر} أي إن الله يظهر الملائكة والروح لرسله عند كل أمر يريد إبلاغه إلى عباده ،فيكون الإذن مبتدئا من الأمر على هذا المعنى ،والأمر ههنا هو الأمر في قوله{[7523]}{ فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين} فالكلام في الرسالة والأوامر والأحكام لا في شيء آخر سواها ،ولهذا قال بعضهم:إن ( من ) ههنا بمعنى الباء ،أي بكل أمر ،ولا حاجة إليه لما قلنا ،وإنما عبر بالمضارع في قوله{ تنزل الملائكة} وقوله{ فيها يفرق كل أمر حكيم} مع أن المعنى ماض لأن الحديث عن مبدأ نزول القرآن لوجهين:الأول لاستحضار الماضي لعظمته على نحو ما في قوله{[7524]}{ وزلزلوا حتى يقول الرسول} فإن المضارع بعد الماضي يزيد الأمر تصويرا ،والثاني لأن مبدأ النزول كان فيها ولكن بقية الكتاب وما فيه من تفصيل الأوامر والأحكام كان فيما بعد ،فكأنه يشير إلى أن ما ابتدأ فيها يستمر في مستقبل الزمان حتى يكمل الدين .