{ فأثرن به نقعا} أي فأهجن بذلك الوقت غبارا ،من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع ،والنقع الغبار كما ذكرنا ،وورد بمعنى الصياح ،فجوز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه ،وأوقع به ،لا صياح المغير المحارب ،وإن جاز على بعد فيه ،أي هيجن الصياح بالإغارة على العدو .وضمير{ به} للوقت ،والباء ظرفية ،وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة لتأويلها بالجري ،فالباء سببية ،أو للملابسة ،ويجوز كونها ظرفية أيضا ،والضمير للمكان الدال عليه السياق ،للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع ،وهو الذي اختاره ابن جرير .
قال الشهاب:وذكر إثارة الغبار للإشارة إلى شدة العدو ،وكثرة الكر والفر ،وتخصيص الصبح لأن الغارة كانت معتادة فيه ،أي لمباغتته العدو ،والغبار إنما يظهر نهارا .و ( أثرن ) معطوف على ما قبله .
قال الناصر:وحكمة الإتيان بالفعل معطوفا على الاسم -الذي هو العاديات ،أو ما بعده- لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل ،وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل تصوير هذه الأفعال في النفس ،فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف ،وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة ،وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي .