{ في عمد ممددة} صفة لمؤصدة ،أو حال من الضمير المجرور ،وإلى الوجهين أشار الزمخشري بقوله:والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج ،وتيقنهم بحبس الأبد ،فتؤصد عليهم الأبواب ،وتمدد على العمد استيثاقا ،ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة ،موثقين في عمد ممددة ،مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص .
و ( المقاطر ) جمع ( مقطرة ) بالفتح ،وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم ،و ( تقطر ) أي يجعل كل بجنب آخر ،و{ عمد} قرىء بضم العين والميم وفتحهما .
وقال ابن جرير:وهما قراءتان معروفتان ،قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ،ولغتان صحيحتان ،والعرب تجمع العمود عمدا وعمدا بضم الحرفين وفتحهما كما تفعل في جمع إهاب ،تجمعه أهبا وأهبا .
تنبيه:قال القاشاني في بيان آفات رذيلتي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة ما مثاله:الهمز -أي الكسر من أعراض الناس- واللمز -أي الطعن فيهم- رذيلتان مكربتان من الجهل والغضب والكبر ؛ لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس ،وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ،ولا يجد في نفسه فضيلة يرتفع بها فينسب العيب والرذيلة إليهم ،ليظهر فضله عليهم ،ويشعر أن ذلك عين الرذيلة ،فهو مخدوع من نفسه وشيطانه ،موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية .
ثم قال:وفي قوله تعالى{ وعدده} إشارة أيضا إلى الجهل ؛ لأن الذي جعل المال عدة للنوائب لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب ؛ لاقتضاء حكمة الله تفريقه في النائبات ،فكيف يدفعها ؟ وكذا في قوله{ يحسب أن ماله أخلده} أي لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية ،لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية ،ولكنه مخدوع بطول الأمل ،مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل ،والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية أصل جمع الرذائل ومستلزم لها ،فلا جرم أنه يستحق صاحبه المغمور فيها العذاب الأبدي المستولي على القلب المبطل لجوهره .