ثم أشار تعالى إلى أن بطلان الشرك مقول على لسان ذوي الحكمة .كيف لا ؟ والتوحيد أساس الحكمة ،بقوله سبحانه{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} يعني استكمال النفس بالعلوم النظرية ،وملكة الأفعال الفاضلة بقدر الطاقة البشرية ،آمرين له على لسان نبي أو بطريق الإلهام ( على قول الجمهور إنه حكيم ) أو الوحي ( على قول عكرمة أنه نبي ){ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} أي على ما أعطاك من نعمه ،من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا قاله المهايمي .والأظهر أن ( أن ) مفسرة .فإن إيتاء الحكمة في معنى القول .والشكر كلمة تجمع ما تدور عليه سعادة الدنيا والآخرة .لأنه صرف العبد في جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق من أجله{ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لعود ثمرات شكره عليه{ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي غني عن كل شيء .فلا يحتاج إلى الشكر .وحقيق بالحمد .بل نطق بحمده كل موجود .
تنبيه:
قال ابن كثير:اختلف السلف في لقمان .هل كان نبيا أو عبدا صالحا من غير نبوة ،على قولين:الأكثرون على الثاني .ويقال إنه كان قاضيا على بني إسرائيل ،في زمن داود عليه السلام .وما روي من كونه عبدا مسه الرق ،وينافي كونه نبيا ،لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة ،إن صح السند إليه .فإنه{[6087]} رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة .قال:كان لقمان نبيا ،وجابر هذا هو ابن زيد الجعفي .وهو ضعيف .والله أعلم .انتهى .
وزعم بعضهم أن لقمان هو بلعام المذكور في التوراة ،وكان حكيم شعب وثني ،وكان منبأ عن الله تعالى .وأغرب في تقريبه ،بأن الفعل العربي وهو ( لقم ) معناها بالعبري بلع .والله أعلم .
وقد نظم السيوطي:من اختلف في نبوته ،فقال:
واختلفت في خضر أهل النقول *** قيل نبي أو ولي أو رسول
لقمان ،ذي القرنين ،حوا ،مريم *** والوقف في الجميع رأى المعظم