{ وقال الذين كفروا} يعني مشركي مكة{ لا تأتينا الساعة} أي ساعة الجزاء ،إنكارا لها{ قل بلى وربي لتأتينكم} أي الساعة .رد لكلامهم وتأكيد لما نفوه ،باليمين بالله عز وجل{ عالم الغيب} بالجر صفة ،والرفع خبر لمحذوف .وقرئ{ علام} بالجر . وفي هذا التوصيف تقوية للتأكيد . لأن تعقيب القسم بجلائل نعوت المقسم به ،يؤذن بفخامة شأن المقسم عليه وقوة إثباته وصحته .لما أن في حكم الاستشهاد على الأمر .لا سميا إذا خص من الأوصاف ماله اختصاص بهذا المعنى .فإن قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية ،وأولها مسارعة إلى القلب ،إذا قيل عالم الغيب ،{ لا يعزب} أي لا يغيب بضم الزاي وكسرها{ عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} أي فالجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه شيء وإن تناهى في الصغر .فالعظام وأجزاء البدن ،وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت ،فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت .ثم يعيدها كما بدأها أول مرة ،لسعة علمه وعظم قدرته ،جل شأنه .
لطائف:
الأولى -عامة القراء على رفع{ أصغر} و{ أكبر} وفيه وجهان:أحدهما الابتداء / والخبر{ إلا في كتاب} والثاني النسق على{ مثقال} .وعلى هذا فيكون قوله:{ إلا في كتاب} تأكيدا للنفي في{ لا يعزب} كأنه يقول:لكنه في كتاب مبين .ويكون في محل الحال ،وقرأ بعض السلف بفتح الراءين .وفيه وجهان:أحدهما-أن ( لا ) هي لا التبرئة .بني اسمها معها .والخبر قوله:{ إلا في كتاب} .والثاني- النسق على{ ذرة} لامتناعه من الصرف .
الثانية- يشير قوله تعالى:{ ولا أصغر من ذلك} إلى أن{ مثقال} لم يذكر للتحديد بل الأصغر منه لا يعزب أيضا .
الثالثة- قال الكرخيّ:فإن قيل فأي حاجة إلى ذكر ( الأكبر ) فإن من علم الأصغر من الذرة لابد وأن يعلم الأكبر ؟ فالجواب:لما كان الله تعالى أراد بيان إثبات الأمور في الكتاب ،فلو اقتصر على الأصغر لتوهم متوهم أنه يثبت فيه الصغائر لكونها محل النسيان .وأما الأكبر فلا ينسى فلا حاجة إلى إثباته ،فأعلم أن الإثبات في الكتاب ليس كذلك .فإن الأكبر فيه مكتوب فيه أيضا .