ثم أخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله فقال:
( ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما56 ) .
( ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا ) أي عظيمة هائلة ( كلما نضجت جلودهم ) أي احترقت احتراقا تاما ( بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) أي ليدوم لهم .وذلك أبلغ في العذاب للشخص .لأن احساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق ،أبلغ من احساسه لعملها في المحترق .
تنبيه:
لهم في التبديل وجهان:
الأول:أنه تبديل حقيقي مادي .فيخلق مكانها جلود أخر جديدة مغايرة للمحترقة .
الثاني:أنه تبديل وصفي:أي أعدنا الجلود جديدة مغايرة للمحترقة / صورة .وان كانت عينها مادة .بأن يزال عنها الاحتراق ليعود احساسها للعذاب .فلم تبدل إلا صفتها ،لا مادتها الأصلية .وفيه بعد .إذ يأباه معنى التبديل .
وقال الرازي:يمكن أن يقال:هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع .كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام:كلما انتهى فقد ابتدأ .وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ من أوله .فكذا قوله:( كلما نضجت جلودهم ) الآية .يعني:كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك ،أعطيناهم قوة جديدة من الحياة .بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا .فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه .انتهى .
وهذا أبعد مما قبله .إذ ليس لنا أن نعدل في كلام الله تعالى عن الحقيقة إلى المجاز ،إلا عند الضرورة .لاسيما وقد روي عن السلف ،صحابة وتابعين ،أنهم يبدلون في اليوم أو الساعة مرات عديدة .كما رواه ابن جرير{[1897]} وغيره مفصلا .( ان الله كان عزيزا ) لا يمتنع عليه ما يريد ( حكما ) فيما يقضيه .ومنه هذا التبديل .إذ لا يتم تخليد العذاب الموعود ،على الكفر الذي لا ينزجرون عنه ،بالعذاب المنقطع .وعدا لا بد من ايفائه .