{ ما ودعك ربك} جواب القسم أي ما تركت وما قطعك قطع المودع .
قال الشهاب في ( العناية ) فالتودع مستعار تبعية للترك هنا وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته كما قال المتنبي:
حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا*** فلم أدر أي الظاغين أشيع
وقال في ( شرح الشفاء ) الوداع له معنيان في اللغة الترك وتشييع المسافر فإن فسر بالثاني هنا على طريق الاستعارة يكون فيه إيماء إلى أن الله لم يتركه أصلا ،فإنه معه أينما كان وإنما الترك لو تصور في جانبه ظاهر مع دلالته بهذا المعنى على الرجوع ،فالتوديع إنما يكون لمن يحب ويرجى عوده وإليه أشار الأرجاني بقوله:
إذا رأيت الوداع فاصبر*** ولا يهمنك البعاد
وانتظر العود عن قريب*** فإن قلب الوداع ( عادوا )
فقوله{ وما قلى} مؤكد له ( قال ) وهذا لم أر من ذكره مع غاية لطفه وكلهم فسروه بالمعنى الأول ولما رأوا صيغة الفعل تفيد زيادة المعنى والمبالغة فيه يقتضي الانقطاع التام ،قالوا إن المبالغة في النفي لا في المنفي فتركه لحكم عليه لا لضرورة يهجره أو لنفي القيد والمقيد وقرىء{ ما ودعك ربك} بالتخفيف وورد في الحديث{[7495]}"'شر الناس من ودعه الناس اتقاء فحشه "وورد في الشعر كقوله{[7496]}
فكان ما قدموا لأنفسهم *** أعظم نفعا من الذي ودعوا
ولهذا قال في ( المصباح ) بهذا اعلم أن قولهم في علم التصريف أماتوا ماضي يدع ويذر خطأ وجعله استعارة من الوديعة تعسف انتهى .
وكذا قال في ( المستوفي ) أنه كله ورد في كلام العرب و لا عبرة بكلام النحاة فيه وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وإن كان نادر انتهى .
وقوله تعالى{ وما قلى} أي وما أبغضك والقالي المبغض يعني ما هجرك عن بغض .
قال الشهاب وحذف مفعول{ قلى} اختصارا للعلم به وليجري على نهج الفواصل التي بعده أو لئلا يخاطبه بما يدل على البغض .
تنبيه:روى ابن جرير{[7497]} عن ابن عباس"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه القرآن أبطأ عنه جبريل أياما فعير بذلك ،فقال المشركون ودعه ربه وقلاه ،فأنزل الله هذه الآية "وفي رواية إن قائل ذلك امرأة أبي لهب وفي أخرى إنها خديجة رضي الله عنها ولا تنافي لاحتمال صدوره من الجميع إلا أن قول المشركين وقول خديجة ،إن صح توجع وتحزن وفي رواية إسماعيل مولى آل الزبير قال"فتر الوحي حتى شق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وأحزنه فقال لقد خشيت أن يكون صاحبي قلاني فجاء جبريل بسورة والضحى ،