[1] ﴿سُبْحَانَ﴾ الافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام مُتضمِّنٍ ما يَجب تنزيه الله عنه يؤذن بأن خبرًا عجيبًا يستقبله السامعون؛ دالًّا على عظيم القدرة من المتكلم، ورفيع منزلة المتحدث عنه.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ﴾ جاءت هنا بالاستهلال، وقد جاءت في مواضع أخرى في أوساط السور: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: 17]، وقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس: 36]، وهي تأتي للأشياء التي يقف العقل أمامها عاجزًا، وهنا استهل بها؛ لأنه سيأتي بشيء يخرق جميع النواميس الكونية، وهي حادثة الإسراء.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ﴾ اسم يدل على الثبوت والدوام، وهي تفيد التنزيه، أي أن الله تعالى منزه حتى قبل أن يخلق الخلق الذين ينزهونه، فتنزيهه سابقٌ على خلقه لهم.
لمسة
[1] بدأت السورة بقوله: ﴿سُبْحَانَ﴾ يعني ننزهك يا رب عن كل نقص، بدأ بالمصدر لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن؛ ليشمل كل أحوال وأزمان التسبيح، لغرض الإطلاق، يعني هو يستحق التسبيح قبل الخلق وبعد الخلق، سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن.
وقفة
[1] افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح؛ فشاع فيها إلى حد كبير، وليست هنالك سورة تدانيها في كثرة التسبيح: ﴿سُبْحَانَ﴾، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [٤٣]، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾ [٤٤]، ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [٤٤]، ﴿وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [٤٤]، ﴿سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً﴾ [٩٣]، ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ [١٠٨].
وقفة
[1] تدبرت في سورة الإسراء فوجدتُ: أولها: تسبيح الله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ﴾، ووسطها: توحيد الله: ﴿ألا تعبدوا إلاّ إياه﴾ [23]، ﴿لا تجعل مع الله إلهاً آخر﴾ [22، 39] ونهايتها: حمد الله: ﴿وقل الحمد لله﴾ [111]، وختامها: تكبير الله: ﴿وكبِّره تكبيرًا﴾ [111]، فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (الباقيات الصالحات).
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ كلما تحققت العبودية لله اقتربت الأرواح من المسير والمسرى.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ في غمرة أحزانه وشدة آلامه ورحيل أحبته أسرى الله به، حينما تطحنك الآلام وتخنقك الأحزان؛ فارتقب لحظات الإسراء.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ كلما عظمت العبودية والخضوع في قلبك لربك؛ سرت روحك للأفق الأعلى.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ ذكره هنا بصفة العبودية؛ لأنه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه.
عمل
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ قل: «سبحان الله»، وكرر ذكرها؛ فهي تعظيم لله تعالى، وهي من أحب الكلام إلى الله تعالى، وهي تنزيه يختص بالله تعالى وحده.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ كلما تعمَّقْتَ بالتوحيد اقتربت من العبودية.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ أعلى مرتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض أن يكون عبدًا لله، وهل في الأرض كلها إنسان أعزه الله كمحمد ﷺ؟! وصف الله عز وجل نبيه محمد ﷺ بالعبودية في أشرف المقامات: الإسراء.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ ذكر الله عز وجل الإسراء صريحًا هنا، ولم يذكر المعراج معه، مع أنهما وقعا في نفس الليلة، وقد تعالى ذكر المعراج التزامًا لا تصريحًا في سورة النجم، في قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ﴾ [النجم: 13]، وسبب عدم ذكر المعراج صريحًا: أن الإسراء آية أرضية، يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يدلل لقومه عليها حين لم يصدقوه، فوصف لهم المسجد الأقصى الذي رأوه من قبل، وذكر لهم عيرهم القادمة من الشأن وحدد لهم مكانها، أما المعراج فهو آية سماوية، ولم يذهب أحد منهم إلى السماء، فكيف يصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم شيئًا لم يروه من قبل!
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ ذكر الله عز وجل الإسراء فقط، دون أن يذكر تفاصيل الإسراء، وما وقع فيه؛ لأنه إذا ثبت هذا في النفوس، فإنها ستؤمن بكل ما سيذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث التي رآها في الإسراء.
لمسة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ قال (بِعَبْدِهِ) ولم يقل: (بمحمد) أو: (بالرسول)؛ فالإنسان مهما عظم لا يعدو أن يكون عبدًا لله، ومقام العبودية أعلى وسام للخلق، وهذا مقام تشريف، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [3]، وعلى سليمان: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 30]، وعلى أيوب: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44].
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ قال: (بعبده) دون نبيِّه أوحبيبه؛ لئلا تضِلَّ به أمَّتُه، كما ضلَّت أمَّةُ المسيح، حيث دعته إلهًا، أو لأن وصفه بالعبودية المضافةِ إلى الله تعالى أشرف المقامات.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ يعلو شرفك على قدر عبوديتك لله، فمقام العبودية هو أشرفُ صفات المخلوقين وأجلُّها وأعظمُها.
تفاعل
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ سَبِّح الله الآن.
وقفة
[1] قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ ولم يقل: (أسرىٰ بنبيه)؛ لأن العبودية لله هي أعظم نعمة على العبد.
وقفة
[1] وصف الله عز وجل نبيه محمد ﷺ بالعبودية في أشرف المقامات: الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾، والدعوة: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: 19]، والوحي: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم: 10]؛ وبقدر ما تكون عبوديتك لله؛ يكون تحررك من رق الدنيا وشهواتها.
وقفة
[1] انظر إضافة النبي باسم العبودية إلى الله في قوله: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: 19]، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان:١]، ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ [البقرة: 23]؛ لأن كلَّ ما نُسب إلى المحبوب فهو محبوب؛ لما انتسبتُ إليك صرتُ معظمًا وعلوتُ قدرًا دون من لم يُنسب.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ افتتحت سورة الإسراء بالتسبيح تنزيها لله من تكذيب المشركين بخبر الإسراء.
لمسة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ قال: (ليلًا) مُنَكَّرًا؛ ليدلَّ على قِصَر زمن الِإسراء، مع أنَّ بين مكة وبيت المقدس مسيرة أربعين ليلةً؛ لأن التنكيرَ يدلُّ على البعضيَّة.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ (ليلًا): في النهار يتقد البصر وفي الليل تتوقد البصيرة، وقد فاقت ليلة بالأجر ألف شهر.
لمسة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ ما دلالة قوله تعالى: (لَيْلًا) مع أن السُرى هو المشي ليلًا؟ هذا ظرف للتوكيد، وأيضًا أراد ربنا أن يعلمنا أن الرحلة الطويلة ذهابًا وإيابًا كانت كلها في جزء من الليل، فلو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله، فلما تقول حدثته الليل يعني كل الليل، لكن حدثته ليلًا يعني جزء من الليل.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ الليلة الحزينة قد يولد في جوفها نور يضيء العمر كله.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ الليل وقت المنح الربانية.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ صريح في أنه أسري بجسده يقظة ﷺ.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ قال القرطبي: قال العلماء: «لو كان للنبي ﷺ اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة العلية».
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ إذا دخل الليل سرت أرواح الصالحين (للملكوت الأعلى)؛ لأن الروح المؤمنة بصرها في الليل أنفذ.
وقفة
[1] ذكر سبحانه رسوله بالعبودية في أشرف مقاماته: فقال في التحدي: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ [البقرة: 23] ، وفي مقام الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾، وفي مقام الدعوة: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ﴾ [الجن: 19]، فأشرف صفات العبد صفة العبودية، وأحب أسمائه إلى الله اسم العبودية.
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ حدثوا أهليكم أخوانكم طلابكم عن الاقصي، أخشي أن يأتي زمن تنسي فيه القضية، ولا يعرف المسجد الاقصي إلا في سورة الاسراء.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ والحق أنه ﷺ أُسري به يقظةً لا منامًا، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظمًا، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضًا فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقد قال: (أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ).
عمل
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ اجتمع مع بعض إخوانك، أو زملائك، ثم اقرأوا حادثة الإسراء والمعراج من صحيح البخاري، أو من تفسير ابن كثير.
وقفة
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ رحلة الإسراء والمعراج تحدثت عنها سورتان: الإسراء عن رحلة الإسراء، والنجم عن رحلة المعراج، وكلتاهما مختتمة بسجدة؛ لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، والمعراج رحلة اقتراب.
عمل
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ لا تحزن لفراق الأماكن الجميلة؛ فقد ترحل لمقامات أجمل.
[1] ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ وجه الاقتصار على وصف المسجد الأقصى في هذه الآية بذكر بركته، وعدم ذكرها في حق المسجد الحرام: أن شهرة المسجد الحرام بالبركة وبكونه مقام إبراهيم معلومة للعرب، وأما المسجد الأقصى فقد تناسى الناس ذلك كله، فالعرب لا علم لهم به، والنصارى عفَّوا أثره من كراهيتهم لليهود، واليهود قد ابتعدوا عنه وأيسوا من عوده إليهم، فاحتيج إلى الإعلام ببركته.
وقفة
[1] من أساليب القرآن أنه قد يأتي بالشيء وهو معلوم بالبديهة اللغوية أو الحسابية أو العادية أو العقلية فمن ذلك، قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، فذكر الليل، ومن المعلوم أن الإسراء لا يكون إلا ليلًا؛ لزيادة استحضار صورة الإسراء في ذهن السامع، حتى يكون كأنه قد حضر تلك المعجزة، وهذا أشد في التأثير.
وقفة
[1] ﴿أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ أحب ما تكون له؛ أعبد ما تكون له.
وقفة
[1] ﴿أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ في الليل تصعد المناجاة فتنزل الرحمات، يرتفع الدعاء فتهبط الإجابة وتحلّ البركات.
لمسة
[1] ﴿لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ الترتيب بدأ بما هو أهمّ: بدأ بالزمان (لَيْلًا)، ثم المكان (مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، فليس مستغربًا أن تذهب من هذا المكان إلى ذلك المكان، لكن المستغرب والمستبعد أن يتم ذلك في جزء من الليل.
وقفة
[1] قال: ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ للدلالة على قدرته أن الإسراء من عين المكان إلى المسجد الأقصى، أكثر العلماء يقولون: إن الإسراء لم يتم من المسجد الحرام، وإنما من بيت أم هانئ، وفي هذا التفاتة إلى أن مكة كلها حرم.
وقفة
[1] ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ العلاقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى علاقة أخوة لا تنفك، يظهر هذا في هذه الآية، وظهرت حتى في مواعيد البناء! عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً وَحَيْثُ مَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَثَمَّ مسجد. [أحمد، وصححه الألباني].
وقفة
[1] ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا﴾ هل عرفت من وإلى أين يتحرك الصالحون؟!من بيوت الله إلى بيوت الله، من طاعة إلى طاعة.
وقفة
[1] ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا﴾ المنطلقات والمحطّات في حضرة المآذن ومحاريب السجود، هناك معاقد الشرف والعزة والتمكين.
وقفة
[1] ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا﴾ الإشارة إلى المسجد الأقصى أنه دخل في مقدسات المسلمين وأن النبي صلى الله الله عليه وسلم هو رسول للناس كافة لا كما يقول اليهود هو نبي للعرب فقط، ولذلك كانت تسمى بسورة (بني إسرائيل).
وقفة
[1] ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ المباركون تفيض بركتهم على من حولهم.
وقفة
[1] ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ لم يكن هنالك مسجد بعد، ولكن كان هناك بيت المقدس، وهم كانوا يعرفون أنه المقصود لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة، وهذا دلالة على أنه سيكون هناك مسجد.
وقفة
[1] ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ المسجد الأقصى هو البعيد عن المسجد الحرام، وأقصى تدل على وجود قصي، ولم يكن هناك مسجد قصي حينها، وفي هذا إشارة إلى أنه سيكون هناك مسجد قصي، بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة.
وقفة
[1] ﴿الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ ، أَوِ الصَلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ, وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَقَيْدُ سَوْطٍ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا» [الحاكم 8/ 301، وصححه الألباني]، وهذا الحديث أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، ولما كانت الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهذا فضل عظيم وأجر كبير أن تضاعف الركعة والصلاة فيه إلى مائتين وخمسين ضعفًا، يشمل الفرائض والنوافل، وحتى لا يظن ظان أن التفاضل في أجر الصلاة من حيث العدد بين المساجد الثلاثة يقلل من شأن المسجد الأقصى، قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: (وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى)، لبيان مكانته ومنزلته في الشرع الإسلامي.
وقفة
[1] في قوله: ﴿الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ إشارة لدخوله في حكم الإسلام؛ لأن المسجد موطن عبادةِ المسلمين.
عمل
[1] ﴿الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الطيّب يطيب به من حوله، هـل لـك أثـر على من حـولك؟
لمسة
[1] ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ التفت إلى ضمير المتكلم بعد أن جاء بضمير الغائب: ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ ليدل على أن المتكلم هو الله، وليس نقلًا عنه.
لمسة
[1] ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ أسند تعالى المباركة لنفسه؛ للدلالة على التعظيم، والنون للعظمة، ولم يقل بورك حوله.
لمسة
[1] ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ أطلق المباركة، ولم يقل باركناه بكذا، مباركة مطلقة عامة، روحانية ومعنوية ومادية.
لمسة
[1] ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ قال: (حَوْلَهُ) لتشمل المسجد وما حوله تعظيمًا للمسجد، فالمباركة حوله جاءت بسببه، ولو قال باركناه لانحصرت المباركة بالمسجد فقط، وربنا تعالى ينسب المساجد إليه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: 18]، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ﴾ [التوبة: 18].
اسقاط
[1] ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ بلغ من طيبه أن بارك الله حوله، فهل بلغ من طيبك أن تنشر الخير في من حولك؟
لمسة
[1] قال: ﴿بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ ولم يقل: (باركنا ما حوله)؛ حتى تبقى المباركة دائمة، ولا تخص الأشياء المعينة التي حوله، فإذا زالت تزول المباركة.
لمسة
[1] قال: ﴿لنُرِيَهُ﴾ ولم يقل: (ليَرى) أو: (ليُرى)، وإنما ذكر الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى الذي يريه بإرادته، وهذا تعظيم لله، وإكرام وتشريف آخر من الله تعالى لرسوله ﷺ، لو قال (ليَرى) لكان من تلقاء نفسه، ولو قال (ليُرى) لا نعلم من الذي أراه.
وقفة
[1] ما دلالة كلمة ﴿لنُرِيَهُ﴾ في سورة الإسراء؟ قد يحتمل المعنى أن الرسول ﷺ أُعطي الرؤية الإلهية وتعطلت الرؤية البشرية، وربما يكون سبحانه وتعالى قد أعطاه رؤية قوية أكثر من قدرة البشر، بدليل أنه رأى القافلة ورأى موسى وهو يصلي في قبره ورأى جبريل عليه السلام. والله أعلم.
لمسة
[1] ﴿لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ قال (لنُرِيَهُ) تعليل، لماذا أسرى؟ (لنُرِيَهُ) تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة قد يذكرها وقد يخفيها سبحانه، والنون للعظمة.
وقفة
[1] ﴿لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ تربية قرآنية على وضوح الهدف من كل عمل ومشروع.
لمسة
[1] ﴿مِنْ آيَاتِنَا﴾ وليس (آياتنا)؛ من للتبعيض، يعني هناك أمور محددة، يرى بعض الآيات وليس كلها.
لمسة
[1] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ عودة إلى الإفراد بعد أن قال: (بَارَكْنَا، لنُرِيَهُ، مِنْ آيَاتِنَا) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك، وهذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لابد أن يسبقه أو يليه ما يدل على أنه واحد لا شريك له.
لمسة
[1] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾لم يقل: (إنه سميع بصير)، (هو) ضمير الفصل للتأكيد، ولقصر الصفات له سبحانه، أي له الكمال في ذلك وأنه مختص به.
وقفة
[1] ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ إذا تكلم القرآن عن الليل ختمت الآية بالسمع، وذلك في سبع آيات؛ لأن السمع في الليل أقوى منه في النهار.