{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} أي أمهلتها{ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} إلى حكمي مرجع الكل فأجزيهم بأعمالهم .فتأثر هذه الآية ما قبلها صريح في بيان خطئهم في الاستعجال المذكور ،ببيان كمال سعة حلمه تعالى ،وإظهار غاية ضيق عطنهم ،المستتبع لكون المدة القصيرة عنده تعالى ،مددا طوالا عندهم ،حسبما ينطق به قوله تعالى{[5552]}:{ إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا} ولذلك يرون مجيئه بعيدا ،ويتخذونه ذريعة إلى إنكاره ،ويجترئون على الاستعجال به ،ولا يدرون أن معيار تقدير الأمور كلها ،وقوعا وإخبارا ،ما عنده تعالى من المقدار .أفاده ابن كثير وأبو السعود .
وفي ( العناية ):لما ذكر استعجالهم ،وبين أنه لا يتخلف ما استعجلوه ،وإنما أخر حلما ،لأن اليوم ألف سنة عنده .فما استطالوه ليس بطويل بالنسبة إليه ،بل هو أقصر من يوم .فلا يقال:إن المناسب حينئذ أن ألف سنة كيوم ،والقلب لا وجه له .وقال الرازي:لما حكى تعالى من عظم ما هم عليه من التكذيب ،أنهم يستهزئون باستعجال العذاب ،بين أن العاقل لا ينبغي أن يستعجل عذاب الآخرة فقال:{ وإن يوما عند ربك} يعني فما ينالهم من العذاب وشدته{ كألف سنة} لو عد في كثرة الآلام وشدتها .فبين سبحانه أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة ،وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه .
قال الرازي:وهذا قول أبي مسلم ،وهو أولى الوجوه .انتهى .
وقد حكاه الزمخشري بقوله:وقيل معناه:كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه ،في طول ألف سنة من سنيكم .لأن أيام الشدائد مستطالة ،أي تعد طويلة .كما قيل:
تمتع بأيام السرور فإنها *** قصار .وأيام الهموم طوال
أو كان ذلك اليوم الواحد ،لشدة عذابه ،كألف سنة من سني العذاب .انتهى .
واعتمد الوجه الأول أبو السعود .وناقش فيما بعده ؛ بأنه لا يساعده سياق النظم الجليل ولا سياقه .فإن كلا منهما ناطق بأن المراد هو العذاب الدنيوي .وأن الزمان الممتد هو الذي مر عليهم قبل حلوله بطريق الإملاء والإمهال .لا الزمان المقارن له .ألا يرى إلى قوله تعالى:{ وكأي من قرية} الخ ،فإنه صريح في أن المراد هو الأخذ العاجل الشديد ،بعد الإملاء المديد .انتهى .وفيه قوة .فالله أعلم .