{ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} .
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} أي الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرا نضرا فأثمر وينع ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا يوقد به النار كذلك هو فعّال لما يشاء قادر على ما يريد ،لا يمنعه شيء .قال قتادة:( الذي أخرج النار من هذا الشجر ،قادر على أن يبعثه ) .وقيل:المراد بذلك شجر المرخ والعفار ( من شجر البادية ) في أرض الحجاز .فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد ،فيأخذ منه عودين أخضرين ،ويقدح أحدهما بالآخر ،فتتولد النار من بينهما كالزناد سواء .روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما .والعفار الزند وهو الأعلى .والمرخ الزندة وهو الأسفل .بمنزلة الذكر والأنثى .وعكس الجوهري فجعل المرخ ذكرا والعفار أنثى ،واللفظ مساعد له .إلا أن الأول يؤيده قول الشاعر:{[6343]}
إذا المرخ لم يؤر تحت العفار*** وضن بقدر فلم تعقب
وقال أبو زياد:ليس في الشجر كله أورى نارا من المرخ .وربما كان المرخ مجتمعا ملتفا ،وهبت الريح ،وجاء بعضه بعضا فأروى فأحرق الوادي .ولم نر ذلك في سائر الشجر .
وقال الأزهريّ:العرب تضرب بالمرخ والعفار ،المثل في الشرف العالي .فتقول:( في كل شجر نار .واستمجد المرخ والعفار ) أي كثرت فيهما على ما في سائر الشجر .و( استمجد ) استكثر واستفضل .وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر نارا .وزنادهما أسرع الزناد وريا .وفي المثل:اقدح بعفار أو مرخ ،ثم اشدد إن شئت أو أرخ .ويقال ( في كل شجر نار إلا العنّاب ) .
قال الشهاب:ولذا يتخذ منه مدقّ القصارين .ثم أنشد لنفسه:
أيا شجر العنّاب نارك أوقدت*** بقلبي .وما العنّاب من شجر النار
انتهى .
والمقصود أنه تعالى لا يمتنع عليه إعادة المزاج الذي به تعلق الروح بعد انعدامه بالكلية .لأن الذي يبدل مزاج الشجر الرطب بمزاج النار ،وهي حارة يابسة بالفعل ،مع ما في الشجر من المائية المضادة لها ،أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضّا ،تطرأ عليه اليبوسة والبلى .