ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو غير مضار وصية من الله والله عليم حليم12 ) .
( فان كان لهن ولد ) على نحو ما فصل ( فلكم الربع مما تركن ) من المال .والباقي لباقي الورثة ( من بعد وصية يوصين بها أو دين ) أي من بعد استخراج وصيتهن وقضاء دينهن ( ولهن الربع مما تركتم ) من المال ( ان لم يكن لكم ولد ) ذكر أو أنثى ،منهن أو من غيرهن ( فان كان لكم ولد ) على النحو الذي فصل ( فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) الكلام فيه كما تقدم .وفي تكرير ذكر الوصية والدين ،من الاعتناء بشأنهما ،ما لا يخفى .
لطيفة:
في الآية ما يدل على فضل الرجال على النساء .لأنه تعالى حيث ذكر الرجال ،في هذه الآية ،ذكرهم على سبيل المخاطبة .وحيث ذكر النساء ذكرهن على سبيل المغايبة .وأيضا خاطب الله الرجال في هذه الآية سبع مرات .وذكر النساء فيها على سبيل الغيبة أقل من ذلك .وهذا يدل على تفضيل الرجال على النساء ،كما فضلوا عليهن في النصيب .كذا يستفاد من / الرازي .( وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة ) أي تورث كذلك ( وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا ) أي الإخوة والأخوات من الأم ( أكثر من ذلك ) أي من واحد ( فهم شركاء في الثلث ) يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم .قال المجد في ( القاموس ):الكلالة:من لا ولد له ولا والد .أو ما لم يكن من النسب لحا .أو من تكلل نسبه بنسبك .كابن العم وشبهه .أو هي الاخوة للأم .أو بنو العم الأباعد .أو ما خلا الوالد والولد .أو هي ،من العصبة ،من ورث منه الاخوة للأم .فهذه سبعة أقوال محكية عن أئمة اللغة .وقال ابن بري{[1573]}:اعلم أن الكلالة في الأصل هي مصدر ( كل الميت يكل كلا ،وكلالة ) فهو كل إذا لم يخلف ولدا ولا والدا يرثانه .هذا أصلها .قال:ثم قد تقع الكلالة على العين دون الحدث .فتكون اسما للميت الموروث وان كانت في الأصل اسما للحدث .على حد قولهم:هذا خلق الله .أي مخلوق الله .قال:وجاز أن تكون اسما للوارث على حد قولهم:رجل عدل أي عادل .وماء غور أي غائر .قال:والأول هو اختيار البصريين من أن الكلالة اسم للموروث .قال:وعليه جاء التفسير في الآية ،أن الكلالة الذي لم يخلف ولدا ولا والدا .فاذا جعلتها للميت ،كان انتصابها في الآية على وجهين:
أحدهما:أن تكون خبر ( كان ) تقديره:وان كان الموروث كلالة ،أي كلا ليس له ولد ولا والد .
والوجه الثاني:أن يكون انتصابها على الحال من الضمير في ( يورث ) أي يورث وهو كلالة .وتكون ( كان ) هي التامة التي ليست مفتقرة إلى خبر .قال:ولا يصح أن تكون الناقصة ،كما ذكره الحوفي ،لأن خبرها لا يكون الا الكلالة .ولا فائدة في قوله ( يورث ) .والتقدير:ان وقع أو حضر رجل يموت كلالة ،أي يورث وهو كلالة ،أي كل .وان جعلتها للحدث دون العين ،جاز انتصابها على ثلاثة أوجه:
أحدهما:أن يكون انتصابها على المصدر ،على تقدير حذف مضاف ،تقديره:يورث وراثة كلالة .كما قال الفرزدق{[1574]}:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة
أي ورثتموها / وراثة قرب ،لا وراثة بعد .وقال عامر بن الطفيل:
وما سودتني عامر عن كلالة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ومنه قولهم:هو ابن عم كلالة ،أي بعيد النسب .فاذا أرادوا القرب قالوا هو ابن عم دنية .والوجه الثاني –أن تكون الكلالة مصدرا واقعا موقع الحال .على حد قولهم:جاء زيد ركضا ،أي راكضا .وهو ابن عمي دنية ،أي دانيا .وابن عمي كلالة أي بعيدا في النسب والوجه الثالث –أن تكون خبر ( كان ) على تقدير حذف مضاف .تقديره:وان كان الموروث ذا كلالة .قال:فهذه خمسة أوجه في نصب الكلالة:
أحدهما:أن تكون خبر ( كان ) .
والثاني:أن تكون حالا .
الثالث:أن تكون مصدرا ،على تقدير حذف مضاف .
الرابع:أن تكون مصدرا في موضع الحال .
الخامس:أن تكون خبر ( كان ) على تقدير حذف مضاف .فهذا الوجه الذي عليه أهل البصرة والعلماء باللغة .أعني أن الكلالة اسم للموروث دون الوارث .قال:وقد أجاز قوم من أهل اللغة ،وهم أهل الكوفة ،أن تكون الكلالة اسما للوارث .واحتجوا في ذلك بأشياء:منها قراءة الحسن:وان كان رجل يورث كلالة .( بكسر الراء ) .فالكلالة ،على ظاهر هذه القراءة ،هي ورثة الميت .وهم الاخوة للأم .واحتجوا أيضا بقول جابر أنه قال: "يا رسول الله ! انما يرثني كلالة ".فاذا ثبت حجة هذا الوجه ،كان انتصاب كلالة أيضا على مثل ما انتصبت في الوجه الخامس من الوجه الأول .وهو أن تكون خبر ( كان ) ويقدر حذف مضاف ،ليكون الثاني هو الأول ،تقديره:وان كان رجل يورث ذا كلالة ،كما تقول ذا قرابة ،ليس فيهم ولد ولا والد .قال:وكذلك إذا جعلته حالا من الضمير في ( يورث ) تقديره:ذا كلالة .قال:وذهب ابن جني ،في قراءة من قرأ / يورث كلالة ويورث كلالة ،أن مفعولي ( يورث ويورث ) محذوفان أي يورث وارثه ماله .قال:فعلى هذا يبقى ( كلالة ) على حاله الأولى التي ذكرتها .فيكون نصبه على خبر ( كان ) أو على المصدر .وتكون ( الكلالة ) للموروث لا للوارث .قال:والظاهر أن الكلالة مصدر يقع على الوارث وعلى الموروث .والمصدر قد يقع للفاعل تارة وللمفعول أخرى .والله أعلم .
وقال ابن الأثير:الأب والابن طرفان للرجل .فاذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه .فسمى ذهاب الطرفين كلالة .
وفي ( الأساس ):ومن المجاز كل فلان كلالة ،إذا لم يكن ولدا ولا والدا .أي كل عن بلوغ القرابة المماسة .
وقال الأزهري:ذكر الله الكلالة في سورة النساء في موضعين:أحدهما –قوله:( وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ) .والموضع الثاني قوله تعالى:( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ){[1575]} ،الآية .
فجعل الكلالة هنا الأخت للأب والأم ،والإخوة للأب والأم .فجعل للأخت الواحدة نصف ما ترك الميت وللأختين الثلثين .وللاخوة والأخوات جميع المال بينهم ،للذكر مثل حظ الأنثيين .وجعل للأخ والأخت من الأم ،في الآية الأولى ،الثلث .لكل واحد منهما السدس .فبين بسياقالايتين أن الكلالة تشتمل على الاخوة للأم مرة ،ومرة على الإخوة للأم والأب .ودل قول الشاعر .أن الأب ليس بكلالة ،وأن سائر الأولياء من العصبة بعد الولد كلالة ،وهو قوله:
فان أبا المرء أحمى له ومولى الكلالة لا يغضب
/ أراد أن أبا المرء أغضب له إذا ظلم .وموالي الكلالة ،وهم الاخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات لا يغضبون للمرء غضب الأب .انتهى .
وروى ابن جرير{[1576]} وغيره عن الشعبي قال:قال أبو بكر رحمة الله عليه: "اني قد رأيت في الكلالة رأيا .فان كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له .وان يك خطأ فمني ومن الشيطان .والله بريء منه .أن الكلالة ما خلا الولد والوالد ".
تنبيه:
اتفق العلماء على المراد من قوله تعالى:( وله أخت أو أخت ) – الأخ والأخت من الأم .وقرأ سعد بن أبي وقاص وغيره من السلف:وله أخ أو أخت من أم .وكذا فسرها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما رواه قتادة عنه .قال الكرخي:القراءة الشاذة كخبر الآحاد .لأنها ليست من قبل الرأي .وأطلق الشافعي الاحتجاج بها ،فيما حكاه البويطي عنه ،في باب ( الرضاع ) وباب ( تحريم الجمع ) وعليه جمهور أصحابه .لأنها منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم .ولا يلزم من انتفاء خصوص قرآنيتها ،انتفاء خصوص خبريتها .وقال القرطبي:أجمع العلماء على أن الإخوة ههنا هم الأخوة لأم .قال:ولا خلاف بين أهل العلم أن الاخوة للأب والأم ،أو للأب ،ليس ميراثهم هكذا .فدل اجماعهم على أن الاخوة المذكورين في قوله تعالى:( وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) –هم الاخوة لأبوين ،أو لأب .
لطيفة:
افراد الضمير في قوله تعالى:( وله أخ ) .اما لعوده على الميت المفهوم من المقام ،أو على واحد منهما ،والتذكير للتغليب .أو على الرجل ،واكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) حال من / ضمير ( يوصى ) ( على قراءته مبنيا للفاعل ) أي غير مدخل الضرر على الورثة .كأن يوصى بأكثر من الثلث .ومن فاعل فعل مضمر يدل عليه المذكور ( على قراءته مبنيا للمجهول ) وتخصيص هذا القيد بهذا المقام ،لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم .
وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير{[1577]} عن ابن عباس مرفوعا: "الضرار في الوصية من الكبائر ".ورواه النسائي في ( سننه ) عن ابن عباس موقوفا .وهو الصحيح كما قال ابن جرير ( وصية من الله ) مصدر مؤكد لفعل محذوف .وتنوينه للتفخيم .كقوله:( فريضة من الله ) .أو منصوب ب ( غير مضار ) على انه مفعول به .فانه اسم فاعل معتمد على ذي الحال .أو منفي معنى .فيعمل في المفعول الصريح .ويعضده القراءة بالاضافة .أي غير مضار لوصية الله وعهده في شأن الورثة ( والله عليم ) بالمضار وغيره ( حليم ) لا يعاجل بالعقوبة ،فلا يغتر بالإمهال .