وقوله تعالى:
{ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون 10} .
{ إنما المؤمنون إخوة} استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح ،فإن من لوازم الإخوة أن يصطلحوا .
قال الشهاب:وتسمية المشاركة في الإيمان أخوة تشبيه بليغ ،أو استعارة .شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد ،لأن كلا منهما أصل للبقاء ،إذ التوالد منشأ الحياة ،والإيمان منشأ البقاء الأبديّ في الجنان .
{ فأصلحوا بين أخويكم} أي إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله ،وحكم رسوله .
قال القاشانيّ:بيّن تعالى أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل ،يقتضي الأخوة الحقيقة بين المؤمنين ،للمناسبة الأصلية ،والقرابة الفطرية ،التي تزيد على القرابة الصورية ،والنسبة الولادية ،بما لا يقاس ،لاقتضائه المحبة القلبية ،لا المحبة النفسانية ،المسببة عن / التناسب في اللحمة .فلا أقل من الإصلاح الذي هو من لوازم العدالة ،وأحد خصالها ،إذ لو لم يعدوا عن الفطرة ،ولم يتكدروا بغواشي النشأة ،لم يتقاتلوا ،ولم يتخالفوا .فوجب على أهل الصفاء ،بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللازمة للأخوة الحقيقية ،الإصلاح بينهما ،وإعادتهما إلى الصفاء .انتهى .
تنبيه:
وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين ،للمبالغة في التقرير والتخصيص وتخصيص الاثنين بالذكر دون الجمع ،لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان .فإذا لزمت المصالحة بين الأقل ،كانت بين الأكثر ألزم ،لأن الفساد في شقاق الجمع ،أكثر منه في شقاق الاثنين – أفاده القاضي والزمخشري- .
وفي معنى الآية أحاديث كثيرة:كحديث{[6677]} ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) .وحديث{[6678]} ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) .وحديث{[6679]} ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .وحديث{[6680]} ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وشبّك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ) – وكلها في ( الصحاح )-
{ واتقوا الله لعلكم ترحمون} أي خافوا مخالفة حكمه ،والإهمال فيه ،ليرحمكم فيفصح عن سالف آثامكم ،ويثيبكم رضوانه .