{ خلق الإنسان من علق} أي دم جامد وهي حالة الجنين في الأيام الأولى لخلقه ،وتخصيص خلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير ،وتفخيما لشأنه إذ هو أشرفها ،وإليه التنزيل ،وهو المأمور بالقراءة ،وإنما قال{ علق} دون ( علقة ) كما في الآية الأخرى ،لرعاية الفواصل ؛ ولأن{ الإنسان} مراد به الجنس ،فهو في معنى الجمع ،فلما جمع ما خلق منه ليطابقه وخص العلق دون غيره من التارات لأنه أدل على كمال القدر من المضغة مع استلزامه لما تقدمه ،ومع رعاية الفواصل .
قال الإمام:أي ومن كان قادرا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانا ،وهو الحي الناطق الذي يسوده بعلمه على سائر المخلوقات الأرضية ،ويسخرها لخدمته ،يقدر أن يجعل من الإنسان الكامل مثل النبي صلى الله عليه وسلم قارئا ،وإن لم يسبق له تعلم القراءة ،وجاء بهذه الآية بعد سابقتها ليزيد المعنى تأكيدا ،كأنه يقول لمن كرر القول( إنه ليس بقارىء ):أيقن أنك قد صرت قارئا بإذن ربك الذي أوجد الكائنات ،وما القراءة إلا واحدة منها ،والذي أنشأ الإنسان خلقا كاملا من دم جامد لا شكل فيه ولا صورة ،وإنما القراءة صفة عارضة على ذلك الإنسان الكامل ،فهي أولى بسهولة الإيجاد ،ولما كانت القراءة من الملكات التي لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعوذ على ما جرت به العادة في الناس ،ناب تكرار الأمر الإلهي عن تكرار المقروء في تصييرها ملكة للنبي صلى الله عليه وسلم ،فلهذا كرر الأمر بقوله:{ اقرأ وربك الأكرم} .