[ 107]{ ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين 107} .
{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبّوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ،وأولئك هم الغافلون * لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون} .
لما بيّن تعالى فضل من آمن وصبر على أذى المشركين ،في المحاماة عن الدين ،تأثره ببيان ما للردة وإيثار الضلال على الهدى ،من الوعد الشديد بهذه الآيات .واستثنى المكره المطمئن القلب بالإيمان بالله ورسوله .فإنه إذا وافق المشركين بلفظ ،لإيلام قوي وإيذاء شديد وتهديد بقتل ،فلا جناح عليه .إنما الجناح على من شرح بالكفر صدرا ،أي:طاب به نفسا واعتقده ،استحبابا للحياة الدنيا الفانية ،أي:إيثارا لها على الآخرة الباقية ،فذاك الذي له / من الوعيد ما بينته الآيات الكريمة ،من غضب عليهم أولا .وعذابه العظيم لهم ،وهو عذاب النار ثانيا .وعدم هدايتهم باختيارهم الكفر ثالثا .ورابعا بالطبع على قلوبهم بقساوتها وكدورتها .فلم ينفتح لهم طريق الفهم .وعلى سمعهم وأبصارهم بسدّ طريق المعنى المراد من مسموعاتهم ،وطريق الاعتبار من مبصراتهم إلى القلب .فلم يؤثر فيهم شيء من أسباب الهداية من طريق الباطن من فيض العلم وإشراق النور .ولا من طريق الظاهر بطريق التعليم والتعلم والاعتبار من آثار الصنع .وخامسا بكونهم هم الغافلين ،بالحقيقة ،لعدم انتباههم بوجه من الوجوه .وامتناع تيقظهم من نوم الجهل بسبب من الأسباب .وجليّ ،أن كل نقمة من هذه الخمس ،على انفرادها ،من أعظم الحواجز عن الفوز بالخيرات والسعادات .فكيف بها كلها !
قال الرازي:ومعلوم أنه تعالى إنما أدخل الإنسان الدنيا ليكون كالتاجر الذي يشتري بطاعاته سعادات الآخرة .فإذا حصلت هذه الموانع عظم خسرانه .فلهذا قال:{ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون} ،أي:الذين ضاعت دنياهم التي استنفذوا في تحصيلها وسعهم ،وأتلفوا في طلبها أعمارهم ،وليسوا من الآخرة في شيء إلا في وبال التحسرات .