{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .
{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} أي هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه ،ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه ولعلوه وحكمته وعدله ولطفه{ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الضمير للعباد .أي يسألون عما يفعلون كقوله (:{ فوربك لنسئلنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} .
قال الزمخشري:إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم ،تهيبا وإجلالا ،مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم ،كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم ،أولى بأن لا يسأل عن أفعاله ،مع ما علم واستقر في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بحكمته ،ولا يجوز عليه خطأ ،ثم قال:{ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أي هم مملوكون مستعبدون خطاءون .فما أخلقهم بأن يقال لهم:لم فعلتم ؟ في كل شيء فعلوه .انتهى .
قال ابن كثير:وهذه الآية كقوله تعالى:{ وهو يجير ولا يجار عليه} .
تنبيه:
قال الإمام الغزالي في ( المضمون به على غير أهله ):وأما معنى قول الله تعالى:{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ،وقوله تعالى:{ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} فالسؤال قد يطلق ويراد به الإلزام .يقال:ناظر فلان فلانا وتوجه عليه سؤاله .وقد يطلق ويراد به الاستخبار ،كما يسأل التلميذ أستاذه .والله تعالى لا يتوجه عليه السؤال بمعنى الإلزام وهو المعني بقوله:{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} إذ لا يقال:{ لم} قول إلزام .فأما أن لا يستخبر ولا يستفهم ،فليس كذلك .وهو المراد بقوله:{ لم حشرتني أعمى} .