{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أمر بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما .وقوله{ قُلِ اللَّهُ} أي الذين تعترفون بأنه الخالق:كما قال تعالى{[6278]}{ قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر ،فسيقولون الله} أي فحينئذ قامت الحجة عليهم منهم .
{ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} أي وإن أحد الفريقين من الموحدين ،الرازق من السماوات والأرض بالعبادة ،ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة على ذرة ،لعلى أحد الأمرين من الهدى أو الضلال .
/ قال الزمخشري:وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به:قد أنصفك صاحبك .وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ ،دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ،ومن هو في الضلال المبين .ولكن التعريض والتورية أفضل بالمجادل إلى الغرض ،وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفلّ شوكته بالهوينا ،ونحوه قول الرجل لصاحبه:علم الله الصادق مني ومنك .وإن أحدنا لكاذب .ومنه بيت حسان{[6279]}:
أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء
انتهى .
قال الناصر:وهذا تفسير مهذب وافتنان مستعذب ،رددته على سمعي فزاد رونقا بالترديد .واستعاده الخاطر ،كأني بطيء الفهم حين يفيد .ولا ينبغي أن ينكر بعد ذلك على الطريقة التي أكثر تعاطيها متأخرو الفقهاء في مجادلاتهم ومحاوراتهم .وذلك قولهم:أحد الأمرين لازم على الإبهام .فهذا المسلك من هذا الوادي غير بعيد ،فتأمله ،والله الموفق .انتهى .
قال الشهاب:وهذا فن من فنون البلاغة يسمى ( الكلام المنصف ) .وقيل إن الآية على اللف والنشر المرتب .ونظر فيه بأنه لو قصد اللف بأن يكون على هدى راجعا لقوله{ وإنا} و{ أو في ضلال} راجعا ل{ إياكم} كان العطف بالواو لا بأو .وكونها بمعنى الواو كما في قوله:
سيان كسر رغيفه *** أو كسر عظم من عظامه
/ بعيد جدا .إلا أنه قيل:لو جعل فيه إيماء لذلك لم يبعد .وإيثار ( على ) في ( الهدى ) و ( في ) في مقابله ،للدلالة على استعلاء صاحب الهدى وتمكنه واطلاعه على ما يريد ،كالواقف على مكان عال ،أو الراكب على جواد .وانغماس الضال في ضلاله حتى كأنه في مهواة مظلمة .