ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما31 ) .
( ان تجتنبوا ) أي تتركوا ( كبائر ما تنهون عنه ) أي كبائر الذنوب التي نهاكم الشرع عنها ،مما ذكر ههنا ومما لم يذكر ( نكفر عنكم سيئاتكم ) أي صغائر ذنوبكم ،ونمحها عنكم ،وندخلكم الجنة .كما قال تعالى:( وندخلكم ) في الآخرة ( مدخلا كريما ) أي حسنا وهي الجنة .و ( مدخلا ) قرئ بضم الميم ،اسم مكان أو مصدر ميمي .أي ادخالا مع كرامة .وبفتح الميم ،وهو أيضا يحتمل المكان والمصدر .وفي الآية دليل على أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر .ورد على من قال:ان المعاصي كلها كبائر ،وانه لا صغيرة .
قال الإمام ابن القيم في ( الجواب الكافي ):قد دل القرآن والسنة واجماع الصحابة ،/ والتابعين بعدهم ،والأئمة ،على أن من الذنوب كبائر وصغائر .قال الله تعالى:( ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) .وقال تعالى:( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الا اللمم ){[1660]} .وفي ( الصحيح ){[1661]}عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان ،مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ".
وهذه الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات:
احداها:أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الاخلاص فيها والقيام بحقوقها .بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة الداء كمية وكيفية .
الثانية:أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر .
الثالثة:أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر .فتأمل هذا فانه يزيل عنك اشكالات كثيرة .
وفي ( الصحيح ){[1662]} عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا:بلى يا رسول الله ! قال:الاشراك بالله وعقوق الوالدين .وجلس وكان متكئا فقال:ألا وقول الزور "( ثلاثا ) .
وروي في ( الصحيح ){[1663]} عنه صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا:وما هن ؟ يا رسول الله ! / قال:الاشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ".
وفي ( الصحيح ){[1664]} عن عبد الله بن مسعود ،رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي الذنب عند الله اكبر ؟ قال:أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت:ثم أي ؟ قال:أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك .قلت:ثم أي ؟ قال:أن تزاني بحليلة جارك .قال:ونزلت هذه الآية تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ){[1665]} الآية ".
ثم ساق الخلاف في تعدادها .اه .
وعندي أن الصواب هو الوقوف في تعدادها على ما صحت به الأحاديث .فان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبين لكتاب الله عز وجل ،أمين على تأويله .والمرجع في بيان كتاب الله تعالى إلى السنة الصحيحة .كما أن المرجع في تعريف الكبيرة إلى العد دون ضبطها بحد .كما تكلفه جماعة من الفقهاء ،وطالت المناقشة بينهم في تلك الحدود .وان منها ما ليس جامعا .ومنها ما ليس مانعا .فكله مما لا حاجة إليه بعد ورود صحاح الأخبار في بيان ذلك .
وقد ساق الحافظ ابن كثير ههنا جملة وافرة منها وجود النقل عن الصحابة والسلف والتابعين .فانظره فانه نفيس .