ولما أوجب تعالى على جميع المكلفين أن يطيعوا الله ورسوله ،آثرها بأن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه ،وإنما يريدون حكم غيره ،فقال:
( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا60 ) .
( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك ) يعني القرآن ( وما أنزل من قبلك ) يعني التوراة .ووصفهم بادعاء الإيمان بالقرآن وبما أنزل من قبله ،لتأكيد العجيب من حالهم وتشديد التوبيخ والاستقباح ،ببيان كمال المباينة بين دعواهم المقتضية حتما للتحاكم إلى الرسول ،وبين ما صدر عنهم من مخالفة الأمر المحتوم ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الداعي إلى الطغيان بالحكم على خلاف المنزل اليك والمنزل على من قبلك .وتقدم قريبا معاني الطاغوت .والمراد به ههنا ما سوى كتاب الله وسنة رسوله ،من الباطل ( وقد أمروا ) في جميع تلك الكتب ( أن يكفروا به ) أي يتبرؤوا منه .لأنه تحاكم على خلاف ما أنزل الله في كتبه فيعصونه ويطيعون الشيطان ( ويريد الشيطان ) أي من الجن والانس ( أن يضلهم ضلالا بعيدا ) عن الحق والهدى .وقوله:( ويريد الخ ) عطف على ( يريدون ) داخل في حكم التعجيب .فان اتباعهم لمن يريد اضلالهم واعراضهم عمن يريد هدايتهم ،أعجب من كل عجيب .