{ الذين يجتنبون كبائر الإثم} يعني ما كبر الوعيد عليه من المناهي{ والفواحش} يعني ما فحش منها .والعطف إما من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العام .{ إلا اللمم} أي الصغائر من الذنوب .ومثّله أبو هريرة بالقبلة والغمزة والنظرة – فيما رواه ابن جرير:{[6840]} / وأصل معناه:ما قل قدره .ومنه:لمة الشعر ،لأنها دون الوفرة .وقيل:معناه الدنو من الشيء دون ارتكاب له .والاستثناء منقطع على ما ذكر .أي إلا اللمم بما دون الكبائر والفواحش ،فإنه عفو .وقيل:متصل ،والمراد مطلق الذنوب .وقيل:إنه لا استثناء فيه أصلا ،و{ إلا} صفة بمعنى غير- وتفصيله في ( العناية )- .
وحكى ابن جرير{[6841]} عن ابن عباس وغيره ؛ أن معنى{ اللمم} ما قد سلف لهم مما ألموا به من الفواحش والكبائر في الجاهلية قبل الإسلام ،وغفرها لهم حين أسلموا .
وعن ابن عباس أيضا قال:( هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب ولا يعود ) .قال:وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن تغفر اللهم تغفر جمّا*** وأيّ عبد لك لا ألمّا
وقال الحسن:{ اللمم} أن يقع الوقعة ثم ينتهي .وكل هذا مما يتناوله اللفظ الكريم والأقوى في معناه هو الأول ،ولذا استدل بالآية على تكفير الصغائر باجتناب الكبائر ،كما قال تعالى:{[6842]}{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} .
{ إن ربك واسع المغفرة} قال ابن جرير:{[6843]} أي واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الإثم{ هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض} قال ابن جرير:{[6844]} أي أحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها{ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم} أي حيثما يصوركم في الأرحام{ فلا تزكوا أنفسكم} أي تشهدوا لها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي .والمراد به الثناء تمدحا أو رياء{ هو أعلم بمن اتقى} أي بمن اتقاه / فعمل بطاعته ،واجتنب معاصيه وأصلح .وهذا كقوله تعالى:{[6845]}{ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا} .
وفي ( الصحيحين ({[6846]} عن أبي بكرة قال:( مدح رجل رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ويلك ! قطعت عنق صاحبك ( مرارا ) إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة ،فليقل:أحسب فلانا ،والله حسيبه ،ولا أزكي على الله أحدا ،أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك ) .