ثم حرض تعالى المؤمنين على قتال الكفرة ،إثر بيان طرف من قبائحهم الموجبة لذلك ،وأشار إلى توجه العتاب والملامة إلى المتخلفين عنه ،بقوله تعالى:
38{ يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}
{ يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض} أي تثاقلتم وتباطأتم والاستفهام في{ ما لكم} فيه معنى الإنكار والتوبيخ .
وقوله:{ إلى الأرض} متعلق ب{ اثاقلتم} على تضمينه معنى الميل والإخلاد ،أي اثاقلتم مائلين إلى الدنيا وشهواتها الفانية عما قليل ،وكرهتم مشاق الغزو ،والمستتبعة للراحة الخالدة ،كقوله تعالى{[4531]}{ أخلد إلى الأرض واتبع هواه} أو مائلين إلى الإقامة بأرضكم ودياركم ،وكان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف ،استنفروا لغزو الروم في وقت عسرة وقحط وقيظ ،وقد أدركت ثمار المدينة وطابت ظلالها ،مع بعد الشقة وكثرة العدو ،فشق عليهم .
وقوله تعالى{ أرضيتم بالحياة الدنيا} أي الحقيرة الفانية{ من الآخرة} أي بدل الآخرة ونعيمها الدائم{ فما متاع الحياة الدنيا} أظهر في مقام الإضمار لزيادة التقرير ،أي فما التمتع بلذائدها{ في الآخرة} أي في جنب الآخرة إذا قيست إليها ،و( في ) هذه تسمى ( في القياسية ) لأن المقيس يوضع بجنب ما يقاس به{ إلا قليل} أي مستحقر لا يؤبه له .
روى الإمام أحمد{[4532]} ومسلم{[4533]} عن المستورد قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع- وأشار بالسبابة- ".
/خ39