وقوله تعالى:
[ 109]{ وما أرسلنا من قلبك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون 109} .
{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} أي لا ملائكة / من أهل السماء .رد لقول المشركين{[4967]}:{ لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} .وهذا كقوله{[4968]} تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} .وقوله{[4969]}:{ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} وقوله{[4970]}:{ قل ما كنت بدعا من الرسل} الآية .
احتج بقوله تعالى:{ إلا رجالا} على أنه لم ينتظم في سلك النبوة امرأة .
والقرى:جمع قرية ،وهي على ما في ( القاموس ):المصر الجامع .وفي ( كفاية المتحفظ ):القرية كل مكان اتصلت به الأبنية ،واتخذ قرارا ،وتقع على المدن وغيرها .انتهى .
قال ابن كثير:والمراد بالقرى هنا المدن .أي:لا أنهم من أهل البوادي الذين هم أجفى الناس طباعا وأخلاقا .وهذا هو المعهود المعروف:أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل بواديهم وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي .ولهذا قال تعالى{[4971]}:{ الأعراب أشد كفرا ونفاقا ...} الآية .
قال قتادة:إنما كانوا من أهل القرى لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمور .
وقوله تعالى:{ أفلم يسيروا} أي:هؤلاء المكذبون ،{ في الأرض فينظروا} أي نظر تفكر ،{ كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} أي:من الأمم المكذبة .كقوله تعالى{[4972]}:{ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ...} الآية فإذا استمعوا خبر ذلك ،رأوا أن الله أهلك الكافرين ،ونجى المؤمنين .وهذه كانت سنته تعالى في خلقه ،ولهذا قال تعالى:{ ولدار الآخرة خير للذين اتقوا} أي:الشرك والفواحش ،وآمنوا بالله ورسله وكتبه .
/ قال ابن كثير:أي وكما نجينا المؤمنين في الدنيا ،كذلك كتبنا لهم النجاة في الدار الآخرة ،وهي خير لهم من الدنيا .كقوله تعالى{[4973]}:{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوميقوم الأشهاد} .
{ أفلا تعقلون} أي تستعملون عقولكم ،فتعلموا أن الآخرة خير .أو تعلموا كيف عاقبة أولئك .