ولما ذكر ،عليه السلام ،ما هو عليه من الدين القويم ،تلطف في الاستدلال على بطلان ما عليه قومهما من عبادة الأصنام ،فضرب لهما مثلا يتضح به الحق حق اتضاح بقوله:
/ [ 39]{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39} .
{ يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} وصفهما بالصحبة الضرورية المقتضية للمودة ،وبذل النصيحة .أي:يا صاحبي فيه .فجعل الظرف توسعا ،مفعولا به .أي:أأرباب شتى تستعبد الناس خير لهم ،أم أن يكون لهم رب واحد قهار لا يغالب ؟
قال بعضهم:دلت الآية على أن الشرع كما جاء مطالبا بالاعتقاد ،جاء هاديا لوجه الحسن فيه .وذلك أن هذه الآية تشير إشارة واضحة إلى أن تفرق الآلهة يفرق بين البشر في وجهة قلوبهم إلى أعظم سلطان يتخذونه فوق قوتهم .وهو يذهب بكل فريق إلى التعصب لما وجه قلبه إليه ،وفي ذلك فساد نظامهم كما لا يخفى .أما اعتقاد جميعهم بإله واحد ،فهو توحيد لمنازع نفوسهم إلى سلطان واحد ،يخضع الجميع لحكمه ،وفي ذلك نظام أخوّتهم ،وهي قاعدة سعادتهم .فالشرع جاء مبينا للواقع في أن معرفة الله بصفاته ،حسنة في نفسها ،فهو ليس محدث الحسن .انتهى .
وفي قوله:{ أأرباب متفرقون} إشارة إلى ما كان عليه أهل مصر لعهده عليه السلام ،من عبادة أصنام شتى .
يقول بعضهم:كما أن مصر كانت تغلبت في العلوم والسلطة ،كذلك في عبادة الأصنام ،فإن أهلها فاقوا كل من سواهم في الضلال ،فكانوا يسجدون للشمس وللقمر والنجوم والأشخاص البشرية والحيوانات ،حتى الهوامّ وأدنى حشرات الأرض .