{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار 175} .
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي:استبدلوا إضلال أنفسهم وغيرهممن الكتمان والتحريفبالاهتداء{ والعذاب بالمغفرة} أي:أسبابه بأسبابها .ولما جعل سبحانه أول مأكلهم نارا ،وآخر أمرهم عذابا ،وترجمة حالهم عدم المغفرة ،فكان بذلك أيضا أوسط حالهم ناراسبب عنه التعجيب من أمرهم:بحبسهم أنفسهم في ذلك الذي هو معنى الصبر ،لالتباسهم بالنار حقيقة أو بموجباتها من غير مبالاة ،فقال{ فما أصبرهم}أي:ما أشدّ حبسهم أنفسهم ،أو ما أجرأهم{ على النار} التي أكلوها في الدنيا فأحسوا بها في الأخرىنقله البقاعيّ.
ثم قال:وإذا جعلته مجازا ،كان مثل قولك لمن عاند السلطان:ما أصبرك على السجن الطويل والقيد الثقيل ؟ تهديدا له .تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب .
وقد روي عن الكسائيّ أنه قال:قال لي قاضي اليمن بمكة:اختصم إلي رجلان من العرب ،فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له:ما أصبرك على الله ! أي:ما أصبرك على عذاب الله .نقله الزمخشريّ .
/ قال الراغب:وقد يوصف بالصبر من لا صَبْرَ له اعتبارا بالناظر إليه ،وتَصَوُّرَ أنه صابر ،واستعمال لفظ التعجب في ذلك اعتبارا بالخلق لا بالخالق .