/ ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا9 ) .
( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ) في الآية وجوه:
الأول:أنها أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم .
الثاني:انها أمر لمن حضر لمريض من لعواد عند الايصاء بان يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم .فلا يتركوه أن يضر بهم بصرف المال عنهم .
الثالث:أنها أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين ،متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم .هل يجوزون حرمانهم ؟
الرابع:أنها أمر للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية .كما ثبت في ( الصحيحين ){[1561]}"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن أبي وقاص يعوده قال:يا رسول الله ! اني ذو مال ولا يرثني الا ابنة .أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال:لا .قال:فالشطر ؟ / قال:لا .قال:فالثلث .قال:الثلث .والثلث كثير .ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ".
وفي ( الصحيح ){[1562]} عن ابن عباس قال: "لو غض الناس إلى الربع ؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث:والثلث كثير ( أو كبير )".
والوجه الأول حكاه ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس .قال ابن كثير:وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما .
ونقل الرازي عن القاضي:ان هذا الوجه أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام .فجعل تعالى آخر ما دعاهم إلى حفظ مال اليتيم أن ينبههم على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها .ولا شك أنه من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود .
قال الزمخشري:والقول السديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى .ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب .ويدعوهم ب ( يا بني ) ويا ولدي .ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له ،إذا أراد الوصية ،لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك .مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: "انك أن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ".ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين .
لطيفة:
لا بد من حمل قوله تعالى ( تركوا ) على المشارفة .ليصح وقوع ( خافوا ) خبرا له .ضرورة أنه لا خوف بعد حقيقة الموت وترك للورثة .ونظيره:( فاذا بلغن أجلهن فأمسكوهن / بمعروف أو سرحوهن بمعروف ){[1563]} .أي شارفن بلوغ الأجل .ولهذا المجاز ،في التعبير عن المشارفة على الترك ،بالترك ،سر بديع .وهو التخفيف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة ،ولا في الذب عن الذرية الضعاف .وهي الحالة التي ،وان كانت من الدنيا ،الا أنها لقربها من الآخرة ،ولصوقها بالمفارقة ،صارت من حيزها ،ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك .كذا في ( الانتصاف ) .
تنبيه:
قال بعض المفسرين:انه يجب أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه .ويحب لذرية غيره من المؤمنين ما يحب لذريته .وأن على ولي اليتيم أن لا يؤذي اليتيم .بل يكلمه كما يكلم أولاده بالأدب الحسن والترحيب .ويدعو اليتيم:يا بني ،يا ولدي .وقد جاء في الرقة على الأيتام آثار كثيرة .ا ه .
وفي الآية إشارة إلى إرشاد الآباء ،الذين يخشون ترك ذرية ضعاف ،بالتقوى في سائر شؤونهم حتى تحفظ أبناؤهم وتغاث بالعناية منه تعالى .ويكون في إشعارهم تهديد بضياع أولادهم إن فقدوا تقوى الله تعالى .وإشارة إلى أن تقوى الأصول تحفظ الفروع .وأن الرجال الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف .كما في آية:( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا ){[1564]} ،إلى آخرها .فان الغلامين حفظا ،ببركة صلاح أبيهما ،في أنفسهما ومالهما .